العرب والعالم

لماذا وافق الحوثيون على “هدنة” مع أميركا؟.. هل حسمت الضربات الجوية الأمر أم هي حسابات “الكلفة والفائدة”؟

في تحليل لافت نشره موقع مجلة “ناشيونال إنترست” الأميركية، تناول جيمس هولمز، الخبير العسكري والمحارب المخضرم السابق، الأسباب المحتملة التي دفعت جماعة الحوثي إلى ما يبدو أنه وقف لهجماتها على الملاحة الدولية في البحر الأحمر، مؤكداً أن الأمر قد لا يرقى إلى “سلام” حقيقي، بل هو نتيجة مؤقتة ضمن حملة عسكرية أوسع وأكثر تعقيداً.

دور محدود للضربات الجوية:

يرى هولمز أن الضربات الجوية الأميركية المحسوبة، على الرغم من أهميتها، ربما لعبت دوراً “جزئياً” فقط في تعديل حسابات الحوثيين، دون أن تكون “حاسمة بحد ذاتها”. ويشير إلى أن قرار الحوثيين بوقف هجماتهم على السفن العابرة للبحر الأحمر ومضيق باب المندب وخليج عدن، نابع على الأرجح من حسابات “كلفة وفائدة” دقيقة، أكثر من كونه نتيجة لهزيمة عسكرية مباشرة أو استسلام.

ويستند الكاتب في تحليله إلى آراء مفكرين عسكريين بارزين مثل الأدميرال جاي سي وايلي وكارل فون كلاوزفيتز. فبينما يرى وايلي أن القوة الجوية وحدها لا يمكنها حسم الصراع العسكري، وأن السيطرة الفعلية على الأرض تتطلب قوة برية، يقدم كلاوزفيتز إطاراً لفهم سلوك الأطراف المتحاربة بناءً على قيمة “الهدف السياسي” مقارنة بـ “كلفة” تحقيقه.

ليس سلاماً.. بل وقفة تكتيكية:

يؤكد هولمز أن ما حدث لا يمكن وصفه بـ “سلام”، فالمتحدثون باسم الحوثيين أنفسهم أكدوا أن الهجمات ضد إسرائيل – وهي الهدف الرئيسي المعلن لحملتهم – ستستمر ولن تتأثر بوقف إطلاق النار المزعوم مع أميركا بشأن الملاحة. واستمر الحوثيون بالفعل في إطلاق الصواريخ باتجاه إسرائيل.

لذلك، فإن ما أنتجته الضربات الأميركية، في أحسن الأحوال وفقاً لهولمز، هو توقف مؤقت في جزء “ثانوي” من حملتهم، وهو الهجمات العشوائية على السفن التجارية، والتي كان تأثيرها في الضغط على إسرائيل “قليلاً”، بينما كانت تكلّف الحوثيين الكثير من البنى التحتية والعتاد جراء الرد الأميركي. وبالتالي، لم يكن قرار وقف هذا الجزء من الهجمات صعباً على قيادة الحوثيين.

معادلة الكلفة والفائدة:

من هذا المنطلق، يعتقد هولمز أن الضربات الجوية الأميركية ساهمت في تغيير حسابات الحوثيين ليس عبر حسم المعركة، بل عبر “رفع كلفة” استمرار الهجمات على الملاحة البحرية دون تحقيق مكاسب حقيقية توازي تلك الكلفة. فعندما رأت قيادة الحوثيين أن مهاجمة السفن التجارية والبحرية لم تعد ذات قيمة استراتيجية تبرر الخسائر المتكبدة، قررت إنهاء هذا الجزء من الحملة، ربما مقابل وقف الهجمات الجوية الأميركية التي كانت تستهدف مواقعهم.

وبهذا المعنى “المحدود والضيق”، يمكن القول إن القوة الجوية الأميركية ساهمت في تشكيل نتيجة جزئية تتوافق مع المصالح الأميركية (تأمين الملاحة)، دون أن ترقى إلى مستوى تحقيق سلام شامل أو إجبار الحوثيين على التخلي عن أهدافهم الرئيسية. ويختم الكاتب بأن التفاخر بدور حاسم للقوة الجوية في هذا السياق يبدو “سابقاً لأوانه” على أقل تقدير، وأن تقييم النتائج الحقيقية يتطلب نظرة أعمق وأكثر شمولية لديناميكيات الصراع وأهداف جميع الأطراف المعنية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى