العرب والعالمموضوع مميز

تقرير برواز: الحراك الشعبي الجزائري إلى أين ؟

خاص – برواز

لم يكن يتوقع أكبر المتفائلين المعارضين في الجزائر، أن ينشأ حراك شعبي سلمي، ومظاهرات ضخمة تجتاح 48 ولاية جزائرية، للمطالبة بنهاية نظام الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، وسقوط العهدة الخامسة، والتمهيد لبداية عهد جديد للجمهورية الجزائرية الديمقراطية بعيدا عن نظام بوتفليقة، وكل المسؤولين ورجال الأعمال الذين كانوا وراء ملفات فساد ثقيلة جدا في آخر 20 سنة.

بالوصول إلى نهاية شهر مايو، بلغ الحراك الشعبي مرحلة صعبة وحساسة، يمكن القول إنها ضبابية من حيث المطالب الأساسية وردود أفعال المؤسسة العسكرية، التي تسير وفق مطالب الشعب، ولكن بحذر كبير للابتعاد عن كل شبهات الانقلاب العسكري الذي قد يعصف بكل شيء تم بناؤه بشكل سلمي على مدار أكثر من شهرين.

الجيش بحذر والشعب يريد الملموس  

مع دخول المسيرات السلمية الجزائرية إلى الأسبوع الحادي عشر على التوالي، يبدو أن الحراك قد بدأ يفقد بريقه بعض الشيء، في ظل التماطل في تنفيذ القرارات الملموسة من طرف المؤسسة العسكرية في حق كل الرؤوس التي كانت تمثل نواة نظام بوتفليقة، وعلى رأسهم الرئيس الحالي المؤقت عبد القادر بن صالح، إضافة إلى الوزير الأول نور الدين بدوي.

وفي هذا السياق، وعند العودة باختصار إلى ملخص نتائج الحراك في 11 أسبوعا، لم يشهد الشعب سوى إدانة ومحاسبة بعض المسؤولين ورجال الأعمال بتهمة الفساد، وعلى رأسهم حداد وربراب وأيضا الإخوة كونيناف وحتى مدير الأمن السابق الهامل، إضافة إلى أسماء ثقيلة قد يأتي دورها للمرور إلى مقصلة المحاكمات والاستفسار عن أموال الدولة، وسوء التصرف فيها على مدار 20 سنة، ويتقدمهم جميعا الوزير السابق أحمد أويحي الذي يطلق عليه في الوسط السياسي الجزائري (رجل المهمات القذرة).

ورغم أن ممثلي الحراك الشعبي في الولايات الجزائرية يعرفون جيدا أن “تنظيف “الحكومة والنظام من كل الرموز الفاسدة، يحتاج وقتا طويلا وخطوات حذرة، إلا أن الاستمرار في الممطالة قد يعصف بصمود الحراك الشعبي، خاصة، وأن بعض الولايات قد انسحبت من الخروج كل يوم جمعة، بحجة عدم وجود أي نتائج أو قرارات مرضية وإيجابية لتحديد مسار البلاد في المرحلة القادمة.

وكان الفريق القايد صالح، رئيس الأركان ونائب وزير الدفاع الجزائري، قد حذر كثيرا من انفلات الأوضاع، واستغلال الحراك في أغراض مشبوهة قد تضر بأمن البلاد، وطالب الشعب بالحفاظ على السلمية والمطالب الواضحة والمشروعة لتكون المؤسسة العسكرية قادرة على اتخاذ القرارات دون ضغوطات كبيرة.

الإعلام الجزائري ذو وجهين والحراك اختار مصادره الخاصة

وبالحديث عن دور الإعلام في تغطية مرحلة ما بعد بوتفليقة، واصلاح النظام الجزائري المريض وتصفيته الرؤوس التي عاثت فسادا، يمكن القول إن الحراك وممثليه قد عرفوا أن الإعلام في البلاد ذو وجهين، ومن الصعب الاعتماد عليه لنقل المعلومات الصحيحة دون أي مصلحة شخصية، خاصة بالنسبة للوسائل الإعلامية الخاصة، التي كانت تتسابق لترقية بوتفليقة ودعمه من أجل الظفر بالعهدة الخامسة، وأصبحت في ليلة وضحاها تدعم الحراك وتقف في صف الشعب من أجل القضاء على المنظومة الفاسدة التي كانوا جزءا منها قبل أشهر.

ولم يفوت نشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي، الاحتفاط بتعليقات ومنشورات صحفيين سابقين وتأيديهم التام للعهدة الخامسة واستمرار بوتفليقة على هرم السلطة، ولكن تغير موقفهم بعد أن أصبح الحراك الشعبي مؤثرا، وركبوا موجة المطالبة برحيل الحكومة ورموزها.

طبعا لا يمكن تعميم هذا على كل الصحف والقنوات في الجزائر، ولكن عقد الأمور أكثر هو ظهور ما يطلق عليه بـ(الذباب الإعلامي)، والذي انتشر بشكل مخيف في هذه المرحلة بصفحات مليونية على مواقع التواصل ونشر أخبار لا أساس لها من الصحة، والتشويش على الرأي العام بتناقل معلومات الهدف منها شرخ العلاقة بين الشعب والجيش، وضرب عزيمة الحراك، ولكن الوعي الذي وصل إليه الشعب جعله يختار مصادره الحقيقية التي تنقل الأخبار الرسمية دون أي تدليس.

هل ظهرت النتائج ؟

بعد الحديث عن النقاط السلبية، سنسلط الضوء على مستجدات الحراك، أو نتائجه الحالية ان صح التعبير، حيث أكدت بعض المصادر الإعلامية الجزائرية، وعلى رأسها قناة البلاد، أن رجل الأعمال علي حداد الذي تم اعتقاله قبل شهر، قد كشف عن تورط أكثر من 50 شخصية سياسية ورجال أعمال ونواب في برلمان، في قضايا فساد من العيار الثقيل، وبدأت المحكمة باستدعاء جميع الاسماء للتحقيق معهم، والاستماع لأقوالهم بعدما ارتبط اسمهم بقضية حداد.

ويبدو أن اعتقال السعيد بوتفليقة، اضافة إلى الجنرال السابق توفيق مدين ورئيس المخابرات السابق أيضا بشير طرطاق، وزجهم في الحبس المؤقت، قد فتح المجال أمام اطارات سامية وشخصيات سياسية مرموقة، وجاء الدور على أمينة حزب العمال لويزة حنون، التي تقبع في السجن المؤقت منذ أكثر من أسبوع.

وبالحديث عن الـ50 شخصية التي ستمثل أمام المحكمة في قضايا الفساد، كان على رأسهم الوزير الأول السابق أحمد أويحي الذي وصل إلى محمد سيدي امحمد يوم الخميس، ولحقه كل من وزير التجارة السابق عمارة بن يونس، ووالي مدينة الجزائر عبد القادر زوخ، والدور سيكون على كبار المسؤولين والوزراء السابقين، وحتى نواب البرلمان ورجال الأعمال، وكل متورط من بعيد أو قريب في قضايا الفساد التي كان ورائها علي حداد.

الاتفاق على رجل المرحلة القادمة والانتخابات في وقتها !

يجتمع العديد من المحللين وممثلي الحراك على أن الحل الجذري هو تنظيم انتخابات دستورية، ومنح الشعب الحرية والفرصة لاختيار ممثله في المرحلة الانتقالية القادمة، وستكون الانتخابات الرئاسية يوم 4 يوليو القادم وتحت اشراف لجنة قضائية مستقلة، وتسير الانتخابات بنزاهة وشفافية يمارس فيها الشعب حقه الديمقراطي لاختيار رجل المرحلة الانتقالية.

وانتشرت بعض الدعوات المطالبة بترشح الرجل السياسي القدير، أحمد طالب الإبراهيمي، نجل العلامة الكبير البشير الإبراهيمي من مؤسسي جمعية علماء المسلمين الجزائرية التي حاربت الاستعمار الفرنسي لسنوات طويلة.

الإبراهيمي يحظى بثقة الشعب وأيضا الممثلين والسياسيين في البلاد، حيث سبق له وأن كان وزيرا للإعلام والثقافة في السبعينات خلال عهد الرئيس الراحل هواري بومدين، وتقلد الإبراهيمي أيضا منصب مستشار الجمهورية وأيضا وزير الشؤون الخارجية، ويُعرف بأنه رجل محنك ويملك الكفاءة اللازمة لتسيير البلاد في المرحلة القادمة، على الأقل بشكل مؤقت نظرا لتقدمه في السن، ولكنه أهل الثقة وصاحب الاجتماع الشعبي والسياسي في الجزائر ليخلف بن صالح في المرحلة القادمة.

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى