الإقتصاديموضوع مميز

قوة الذكاء الاصطناعي في الأسواق الناشئة

قوة الذكاء الاصطناعي في الأسواق الناشئة

فرانك يورغن ريتشتر

كروزلينغن- يكاد يتغلغل الذكاء الاصطناعي في كل جوانب الحياة في الاقتصادات المتقدمة، وانتشر على نطاق واسع، كما أثبت تأثيره التحويلي على الحكومات، والشركات، والأفراد.

ولكن ليس العالم المتقدم وحده فقط من استفاد من الذكاء الاصطناعي. إذ من المتوقع أن يساهم الذكاء الاصطناعي بما قيمته 15.7 تريليون دولار  في الاقتصاد العالمي، بحلول عام 2030، مما يوفر القيمة الاجتماعية والاقتصادية، لجميع قطاعات المجتمع خلال السنوات القادمة. وستحصل الاقتصادات الناشئة، حيث يساعد الذكاء الاصطناعي بالفعل في معالجة المشاكل المترسخة، على حصة كبيرة من هذا المبلغ.

 

وتوضح المبالغ الهائلة التي تستثمر في الذكاء الاصطناعي، الإمكانات التي يراها الكثيرون في هذه التكنولوجيا الجديدة. ووفقًا لتقديرات الهيئة الدولية للبيانات، سيصل الإنفاق العالمي على الذكاء الاصطناعي إلى حوالي 36 مليار دولار في عام 2019، أي بزيادة ملحوظة بنسبة 44٪ عن عام 2018. ومن المتوقع أن يتجاوز هذا الرقم 79 مليار دولار بحلول عام 2022.

وسبب استثمار الكثير من الأموال في الذكاء الاصطناعي واضح: من المتوقع أن ترتفع القيمة التجارية العالمية التي سيولدها الذكاء الاصطناعي إلى 3.9 تريليون دولار بحلول عام 2022، أي أكثر من ثلاثة أضعاف القيمة التي وُلِّدت في عام 2018، والتي بلغت 1.2 تريليون دولار. وليست الشركات وحدها من يستفيد من اعتماد الذكاء الاصطناعي، بل يعد عاملا رئيسيا في التغيير، ويمكّن الملايين في العالم النامي من الاستفادة من زيادة الفعالية، سواء كانت تدريجية أو بعيدة المدى.

 

ونظرا لتطور الذكاء الاصطناعي، يعتقد الكثيرون أن تطبيقاته تناسب الاقتصادات المتقدمة بشكل أفضل. لكن قد يكون الذكاء الاصطناعي أكثر أهمية في الأسواق الناشئة، التي تستغل الفرص التي يخلقها لتحقيق مكاسب اجتماعية، واقتصادية كبيرة. ويمَكِّن الذكاء الاصطناعي منتجات، ونماذج جديدة تساعد أشد الناس فقراً على رفع السلم الاقتصادي، من خلال الحلول التي تفوق التكنولوجيات الحالية.

 

فعلى سبيل المثال، كان الافتقار إلى إمكانية الحصول على الائتمان عائقاً هائلاً أمام التنمية الاجتماعية والاقتصادية، ولكن، الآن، يساعد الذكاء الاصطناعي على إزالة هذا العائق في المناطق النائية، والأفقر في العالم. وتساعد الأنظمة المدعمة بالذكاء الاصطناعي القرى في إندونيسيا، والأراضي الزراعية في كينيا، ومدغشقر، في إتاحة المال لأصحاب المشاريع الصغيرة والمزارعين- وليس هذا مجرد خطوة للبدء في دورة مثمرة لخدمة المحرومين من الخدمات، ولكن من المحتمل أيضًا أن تعزز النمو والإنتاجية. وفي ظل عدم وجود تاريخ ائتماني تقليدي، يستخدم مزودو رؤوس الأموال البديلة تطبيقات الذكاء الاصطناعي لتقييم المقترضين المحتملين، والتنبؤ بعدم السداد. ومن أبرز الأمثلة على ذلك M-Shwari (م-شواري) في كينيا، وAnt Financial (آنت فاينانشل)،في شرق آسيا.

وفي الاقتصادات الناشئة، يستطيع المزارعون استخدام الأجهزة المحمولة في كل مكان للوصول إلى الخدمات المدعومة بالذكاء الاصطناعي، والتي توفر معلومات في الوقت الفعلي عن الطقس، واستخدام المياه ومتطلباته، وظروف التربة والطقس، مما يسمح لهم باتخاذ قرارات عملية أكثر استنارة. وهذا ليس سوى مثال واحد على كيف تعمل حلول الذكاء الاصطناعي المنخفضة التكلفة على تغيير حياة المزارعين على مستوى العالم. وعندما يتعلق الأمر بالإنتاج الصناعي، فإن زيادة التشغيل الآلي تعمل على تعزيز الكفاءة وخفض التكاليف، مما يساعد على زيادة الاستهلاك في هذه العملية.

وتستخدم تطبيقات الذكاء الاصطناعي أيضًا للمساعدة في حل مشاكل البنية التحتية. وهذا مهم بشكل خاص في سياق الأسواق الناشئة، حيث يضع النمو الاقتصادي القوي، والتوسع الحضري السريع الأصول الموجودة تحت ضغط متزايد. وتعد المدن الذكية، والشبكات الذكية، وأنظمة المرور المدمجة على الأنترنت، والسيارات بدون سائق، والتقنيات القائمة على المستشعر (على سبيل المثال لا الحصر)، جزءًا من الذكاء الاصطناعي. ونظرا إلى سرعة التحضر في آسيا وأفريقيا ، فإن اعتماد الحلول المعتمدة على الذكاء الاصطناعي، في توفير البنية التحتية سيكون ضروريًا للحفاظ على عمل المدن بسلاسة.

ومع ذلك، لا تزال هناك تحديات. وواحد من أهمها هو ارتفاع تكلفة تطبيق الذكاء الاصطناعي في الحياة اليومية. فقد توفر التكنولوجيا إمكانات هائلة، ولكن يجب أن تكون أيضًا قابلة للتطبيق تجاريا. والتحدي الآخر هو أمن البيانات. إذ لن تختفي الأسئلة المتعلقة بخصوصية البيانات وتسويقها قريبا، ويجب الإجابة عليها.

وفي الواقع، يجب معالجة كلا التحديين بشكل مقنع، لأن اختيار اعتماد الذكاء الاصطناعي من عدمه يعتمد في الغالب على هذا الذكاء. وسيكون ضمان زيادة الاعتماد على تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي وتطبيقه بشكل متوازن، مهما لنمو الأسواق الاقتصادية وتطورها على المدى الطويل. وكلما نضجت التكنولوجيا، أصبحت أقل تكلفة، وأكثر قابلية للإدراك.

وأحد الاعتبارات الأخرى للاقتصادات الناشئة هي الطبيعة المتغيرة للعمل، وذلك بسبب زيادة تطبيق الذكاء الاصطناعي في عمليات الإنتاج. ويمكن القول أن الابتكارات المدعومة بالذكاء الاصطناعي تقلل من الطلب على العمالة، مما يشكل مشكلة كبيرة بالنسبة للبلدان التي بها أعداد كبيرة من السكان في سن العمل، مثل الهند، وإندونيسيا، وبنغلاديش. ولكن الذكاء الاصطناعي يخلق أيضًا فرصة للعالم النامي لاستعادة قوته العاملة في وظائف أفضل، وأقل كثافة في اليد العاملة، وبذلك يساعد الاقتصاد في الصعود إلى سلسلة القيمة.

ونظرا إلى مكاسب الذكاء الاصطناعي في الاقتصادات الناشئة، من الضروري اعتماده على نطاق أوسع. نعم، ستحتاج الحكومات إلى إصدار أحكام دقيقة نظرا إلى التحديات التي يطرحها اعتماده وتنفيذه بنجاح. ولكن الطريقة الوحيدة للتغلب على هذه التحديات هي مواجهتها.

—————————————-

ترجمة: نعيمة أبروش   

—————————————————————————————-

يشغل فرانك يورغن ريختر منصب مؤسس ورئيس مجلس إدارة Horasis (هوراسيس): مجتمع الرؤى العالمية.

 

————————————————————


حقوق النشر بالعربية محفوظة لـ جريدة برواز الالكترونية 

projectsyndicate@

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى