الإقتصاديموضوع مميز

جيم اونيل : وضع النمو في مكانه الصحيح

وضع النمو في مكانه الصحيح

جيم أونيل

لندن ــ بعد أن تركت جولدمان ساكس في مايو/أيار 2013، كان لي شرف رئاسة لجنة نمو المدن المستقلة لدراسة اختلالات التوازن الجغرافي في الاقتصاد البريطاني. وكانت مهمتنا تتلخص في تحديد السبب وراء هيمنة لندن والجنوب الشرقي إلى هذا الحد، وكيف يمكن تحسين الأداء الاقتصادي في المراكز الحضرية الكبرى الأخرى.

 

 

كان الاستنتاج الأكثر أهمية الذي خلصنا إليه هو أن المدن الإنجليزية الشمالية الرئيسية كانت قريبة من بعضها بعضا بالقدر الكافي لتمكينها من التوحد في سوق مشتركة واحدة مماثلة في الحجم لتلك في منطقة العاصمة الحضرية لندن. وإذا أمكن تحقيق التكتل الاقتصادي والتجاري الذي تصورناه، فسوف تصبح المملكة المتحدة موطنا ليس فقط لمركز تجاري واحد قائم على المدن ويتمتع بالقدرة التنافسية على مستوى العالم، بل مركزين. الأمر المهم هو أن ما أصبح يسمى نموذج مركز القوة الشمالي جاء تصميمه على النحو الذي يجعله يكمل لندن، ولا يقوضها، من خلال المنافسة. وكان الهدف استعادة التوازن الجغرافي ورفع الأداء الإجمالي للنمو في المملكة المتحدة.

 

 

بعد أن تبنى وزير الخزانة جورج أوزبورن آنذاك الخطة في يونيو/حزيران 2014، انضممت إلى حكومة رئيس الوزراء ديفيد كاميرون للمساعدة في إدارة عملية تنفيذ الخطة. ولكن بسبب الاستفتاء على خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي في يونيو/حزيران 2016، ترك الرجلان الحكومة بحلول الشهر التالي، وبحلول شهر سبتمبر/أيلول، كنت رحلت أنا أيضا. ومع ذلك، تمكنت من متابعة تقدم الخطة بصفتي نائب رئيس شراكة مركز القوة الشمالي، وهي منظمة غير حكومية أطلقها أوزبورن في خريف عام 2016.

 

 

منذ ذلك الحين، كانت الرواية التقليدية حول مركز القوة الشمالي تتلخص في أنه فَقَدَ زخمه. في ضوء فوضى الخروج من الاتحاد الأوروبي، لا أحد يشك في أنه سقط إلى ذيل الأجندة السياسية للحكومة ــ جنبا إلى جنب مع كل شيء آخر تقريبا. لكن هذا لا يعني أنه بات منسيا. ففي الشهر الفائت فقط، أشار فيليب هاموند، خليفة أوزبورن إلى أنه يعتزم الموافقة على مبلغ 39 مليار جنيه إسترليني (51 مليار دولار أميركي) لتمويل مبادرة سكك مركز القوة الشمالي الحديدية. ومن خلال تقليص زمن السفر والشحن بين المدن والبلدات الشمالية الكبرى، يَعِد المشروع بتعزيز إنتاجية المنطقة ودعم الهدف الأصلي لخطة مركز القوة الشمالي.

 

 

منذ توليت رئاسة لجنة نمو المدن، كنت أعتقد أن الأمر الأكثر أهمية يتمثل في تأطير السياسات المعززة للإنتاجية في حدود الموقع الجغرافي وليس صناعات أو قطاعات بعينها. فلا أحد يستطيع أن يعرف أي قطاعات الأعمال قد تكون لها الغلبة في المستقبل؛ فلم يتوقع سوى قِلة قليلة من المراقبين قبل خمسة وعشرين عاما أن شركات مثل أمازون وأبل، على سبيل المثال، قد تحقق المراكز التي تمكنت من تحقيقها اليوم. لكن أماكن مثل البلدات والمدن والمناطق لن تختفي أبدا، حتى لو سقطت في فخ اليأس.

 

 

ما يدعو إلى التفاؤل أن مجموعة متزايدة من المعلقين والخبراء من ذوي الجدارة يركزون الآن أيضا على أهمية الأماكن المادية في ضمان استدامة الرأسمالية المعاصرة. وأكثرهم بروزا بول كوليير من جامعة أكسفورد، وهو واحد من الأصوات الرائدة على مستوى العالم في اقتصاديات التنمية، وراغوارام راجان، محافظ بنك الاحتياطي الهندي السابق والأستاذ في كلية بوث لإدارة الأعمال في جامعة شيكاغو حاليا. ويحدوني أمل عظيم في أن تؤثر دعوتهم إلى انتهاج السياسات الاقتصادية والاجتماعية التي تتمحور حول المكان والمجتمع على صانعي السياسيات.

 

 

أما عن مركز القوة الشمالي الأصلي، فهناك من الأدلة ما يشير إلى تقدم متواضع. من المؤكد أن أداء لندن كان أفضل من أداء المناطق الشمالية على مدار العقد الفائت، كما تؤكد مؤشرات مديري المشتريات لمدينة لندن، ويوركشاير، وهامبرسايد، ومنطقة الشمال الغربي. فضلا عن ذلك، يفترض العديد من المراقبين الاقتصاديين أن لندن ستكون أكثر قدرة على الصمود في مواجهة التأثيرات المترتبة على الخروج البريطاني مقارنة بالمناطق الكثيفة التصنيع في شمال البلاد.

 

 

(الرسم البياني رقم 1)    

لكن لنتأمل الآن ذات بيانات مؤشر مديري المشتريات في السياق الضيق السائد على مدار السنوات الخمس الأخيرة، وخاصة آخر ثلاث سنوات. بدأت المناطق الأخرى تتفوق على لندن، وكان أداء منطقة الشمال الغربي جيدا بشكل خاص، في حين نجحت يوركشاير في توسيع فجوة الأداء المتفوق الإيجابية.

(الرسم البياني رقم 2)

يرجع بعض هذا التباعد إلى تراجع لندن ذاتها، وهذا في الأرجح ناجم عن ضعف سوق العقارات هناك وبيئة الاستثمار الهادئة نتيجة للخروج البريطاني. ومع ذلك، تُظهِر المناطق المرتبطة بمركز القوة الشمالي قدرة متواصلة، كما تعمل الأدلة المروية وغير ذلك من الإحصاءات الاقتصادية مثل أسعار المساكن في السنوات القليلة الماضية على دعم بيانات مؤشر مديري المشتريات.

 

 

ربما يتبين لنا أن هذه الاتجاهات عرضية وعابرة. ولكن هناك من الأسباب ما يدعو إلى الاعتقاد بأنها تشير إلى حدوث تغير هيكلي أعمق في أعقاب سياسات خفض القيمة والتنمية المتواضعة التي تبنتها وستمنستر بين عام 2015 و2017. وإذا كانت الحكومة ملتزمة حقا بالاستثمار في مبادرة سكك مركز القوة الشمالي الحديدية، فبوسعها أن تضيف زخما قويا للتقدم الحالي، بحشد ــ حرفيا ومجازيا ــ الغرائز الحيوانية للشركات الشمالية، والقادة المدنيين، والمواطنين.

 

 

 

ترجمة: مايسة كامل  

 

————————————————————————

جيم أونيل رئيس قسم إدارة الأصول الأسبق في جولدمان ساكس، ووزير خزانة المملكة المتحدة الأسبق، ويشغل حاليا منصب رئيس تشاثام هاوس (المعهد الملكي للشؤون الدولية).

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى