الإقتصاديموضوع مميز

تود – مدير السياسة الاقتصادية في عهد الرئيس جورج بوش الأب يكتب مقالا -الاقتصاد الأميركي وسره القذر

الاقتصاد الأميركي وسره القذر

 

بقلم : تود ج. بوخهولتس

سان دييجو ــ ينطوي الاقتصاد اليوم على سِر صغير قذر: فقد استفادت الولايات المتحدة ــ ولا تزال تستفيد ــ من الركود العالمي. فالآن، يئز اقتصاد الولايات المتحدة في نشاط، حتى في حين يمارس المحتجون في المملكة المتحدة إلقاء مخفوق الحليب على أنصار الخروج من الاتحاد الأوروبي، ويواجه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مسيرات العدميين من حركة السترات الصفراء، وتخشى الشركات الصينية مثل شركة هواوي تجميدها خارج الأسواق الأجنبية.

 

في العام الفائت، سجل اقتصاد الولايات المتحدة نموا بلغ 2.9%، في حين توسعت منطقة اليورو بنحو 1.8% فقط، مما أعطى الرئيس دونالد ترمب المزيد من الثقة في أسلوبه القائم على المواجهة. لكن النمو الأميركي القوي نسبيا في ظل الركود في أماكن أخرى ليس ما قد تتوقعه كتب الاقتصاد. تُرى ماذا حدث للاقتصاد العالمي المتكامل بإحكام الذي كان صندوق النقد الدولي والبنك الدولي يروجان له ــ ويمجدانه مؤخرا ــ منذ الحرب العالمية الثانية؟

 

 

يمر الاقتصاد الأميركية بمرحلة مؤقتة لكنها قوية حيث يعمل الضعف في الخارج على رفع الروح المعنوية في الداخل. لكن هذه النشوة الاقتصادية لا علاقة لها بضغائن وأحقاد عصر ترمب، بل ترتبط كثيرا بأسعار الفائدة.

 

 

أصبحت تكاليف الاقتراض حاليا أقل من أي وقت مضى منذ إنشاء مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأميركي في عام 1913، أو في حالة المملكة المتحدة منذ تأسس بنك إنجلترا في عام 1694. يبلغ عائد سندات الخزانة الأميركية لعشر سنوات نحو 2.123%، وفي شهر إبريل/نيسان، أصدرت خدمة البث المباشر Netflix سندات غير مرغوبة بمعدل لا يتجاوز 5.4%.

 

إذا أفاق اليوم خبير اقتصادي بعد نوم دام عشر سنوات ولم ير غير هذه الأرقام، فسوف يفترض أن 20% من الأميركيين عاطلون عن العمل ويقفون في طوابير خارج مطاعم الصدقة. ولكن على العكس من ذلك، أصبح معدل البطالة في الولايات المتحدة عند أدنى مستوياته منذ خطا نيل أرمسترونج خطوته الأولى الشهيرة على سطح القمر قبل خمسين عاما.

 

قد تبدو فكرة فوز الولايات المتحدة في ركود عالمي أشبه بتأمل هازئ من قِبَل ماركسي متمسك بمبادئ ومعتقدات بالية في ركن داكن في صالة إحدى الكليات. لكن وجهة النظر هذه ليست إيديولوجية. بل إن أسعار الفائدة العالمية تراجعت إلى أدنى مستوياتها لأن نمو الناتج المحلي الإجمالي خارج الولايات المتحدة كان متباطئا للغاية.

 

تجلب أسعار الفائدة المنخفضة على نحو دائم ومعدل التضخم الضعيف فوائد متعددة للاقتصاد الأميركية. فبادئ ذي بدء، يرى المستهلكون الأميركيون، الذين بدأت أجورهم الحقيقية (المعدلة تبعا للتضخم) تتزايد أخيرا بعد عقود من الركود، كافة أشكال الصفقات. عندما قمت بزيارة أحد متاجر شركة أبل قبل بضعة أيام، أخبرني موظف في قسم الإصلاح بأنني أستطيع تمويل جهاز iPhone جديد بفائدة صفر بالمئة. كما يقدم تجار السيارات تمويلا بدون فائدة.

 

 

علاوة على ذلك، ارتفعت سوق البورصة الأميركية إلى عنان السماء لأن عائدات شهادات الإيداع المصرفية تبدو ضئيلة للغاية. عندما كنت صبيا في سبعينيات القرن العشرين، كانت أمي تضع مدخرات أسرتنا في البنك وتحصل على عائد بنسبة 6% فقط، ولكن بالإضافة إلى خلاط. واليوم، ربما تدر شهادة الإيداع المصرفية لمدة ستة أشهر ثلث نقطة مئوية فقط. ولم يعد بوسع أمي أن تتوقع خلاطا أو حتى مصاصة من البنك في مقابل إيداع أموالها هناك.

 

 

أخيرا، تعني أسعار الفائدة المنخفضة أن الشركات الأميركية يمكنها الحصول على تمويل مجاني تقريبا عند شراء المعدات. ونتيجة لانخفاض تكاليف الاقتراض والتخفيضات الضريبية الجديدة، أضاف الاقتصاد الأميركي 215 ألف وظيفة جديدة في مجال تصنيع الآلات في عام 2018. ويدرك المستثمرون الأجانب أن المعدات الجديدة كفيلة بجعل الشركات الأميركية أكثر قدرة على المنافسة.

 

 

ولكن من المؤكد، كما تصر الكتب الدراسية، أن الاقتصاد العالمي المكبل سيضغط الصادرات الأميركية. ويصدق هذا ــ وخاصة عندما يقترن بتعريفات الصين الجديدة ــ على السلع الأميركية والدولار القوي، مما يجعل الصادرات الأميركية أكثر تكلفة على المستوى الدولي.

 

 

مع ذلك، تشكل الصادرات 12% فقط من الاقتصاد الأميركي، ويذهب ما يقرب من ثلث الصادرات إلى كندا والمكسيك، اللتين كان أداؤهما الاقتصادي على ما يرام. علاوة على ذلك، يُعَد قسم كبير من صادرات الولايات المتحدة من البنود التي “يجب الحصول عليها” (أو السلع الاحتكارية التي تصنعها قِلة من الشركات)، مثل طائرات بوينج النفاثة، أو رقائق Qualcomm، أو أجهزة iPhone من شركة أبل. ومن الصعب حتى بالنسبة للفرنسيين المحزونين المكتئبين، أو الألمان المرتاعين أن يستغنوا عن كل هذا.

 

 

الواقع أن ازدهار الاقتصاد الأميركي يقلق صناع السياسات في بلدان أخرى. وهم يفضلون لو تتعثر الولايات المتحدة إلى جانبهم وتضطر إلى ابتكار طرق تعاونية لتعزيز النمو العالمي. بدلا من ذلك، يعقد ترمب صفقاته التجارية قسرا وليس بالتراضي، ويجني بكل سعادة الفوائد التي تعود على الاقتصاد الأميركي نتيجة للركود في الخارج.

 

لا أحد يعلم متى قد يتوقف هذا القسر التجاري الذي يمارسه ترمب بطبيعة الحال. ولكن ما دام التضخم بعيد المنال، فسوف يظل الاقتصاد الأميركي يتمتع بهذا النمط غير العادي من النمو.

 

ترجمة: مايسة كامل  

 

———————————————-

تود ج. بوخهولتس شغل منصب مدير السياسة الاقتصادية في عهد الرئيس جورج بوش الأب، ومدير عام صندوق التحوط “تايجر هيدج”. وهو حائز على جائزة آلين يونج لتدريس الاقتصاد من جامعة هارفارد، ومؤلف كتاب “أفكار جديدة من خبراء اقتصاد راحلين“، وكتاب “ثمن الرخاء“.

 

 

@projectsyndicate

إدارة الموقع

نبذة عن ادارة الموقع

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى