الإقتصاديموضوع مميز

هل اصبح النمو من الماضي؟… مقال لـ جوزيف ستيجلز

هل اصبح النمو من الماضي؟

 

د. جوزيف ي ستيجلتز

نيويورك – لقد اصبح الأمر واضحا فنحن نعيش فوق طاقة كوكبنا وما لم نغير شيئا ما فإن العواقب ستكون وخيمة فهل سيكون هذا الشيء هو تركيزنا على النمو الاقتصادي ؟

ان التغير المناخي يمثل ابرز المخاطر التي نواجهها ونحن نشهد الان اشارات على تكلفة ذلك وعندما استخدم كلمة “نحن ” فإنها تتضمن الأمريكان . ان الولايات المتحدة الامريكية والتي يهيمن الاشخاص الذين ينكرون وجود التغير المناخي على احد الاحزاب الرئيسية فيها هي اكبر بلد مسؤول عن انبعاث غازات الدفيئة لكل فرد والبلد الوحيد الذي يرفض التقيد باتفاقية باريس للمناخ لسنة 2015 وعليه فإن من السخرية بمكان ان نجد ان الولايات المتحدة الامريكية قد اصبحت من البلدان التي يوجد فيها اعلى مستويات تضرر الممتلكات المرتبطة بالانواء المناخية الشديدة مثل الفيضانات والحرائق والاعاصير والجفاف والبرد القارس .

 

لقد كان بعض الامريكان يأملون في وقت من الاوقات ان يستفيدوا من التغير المناخي فعلى سبيل المثال ان تصبح المياه الساحلية في ماين صالحة للسباحة وحتى اليوم فإن قلة من الاقتصاديين ما زالوا يعتقدون انه ليس هناك الكثير لنشعر بالقلق بشأنه طالما نستطيع الحد من الزيادة في معدل درجة الحرارة العالمية لتبقى في حدود 3-4 درجة مئوية مقارنة بالسقف الذي حددته اتفاقية باريس والمتمثل في 2 درجة مئوية علما ان تلك تعتبر مقامرة حمقاء . ان من المتوقع ان يصبح تركيز غاز الدفيئة في اعلى مستوياته منذ ملايين السنين ونحن لا يوجد لدينا مكان آخر لنذهب اليه لو خسرنا .

 

 

ان الدراسات التي تقترح ان بإمكاننا تحمل درجات حرارة أعلى هي دراسات خاطئة جدا فعلى سبيل المثال نظرا للإقصاء المنهجي لتحليلات المخاطر المناسبة فإن نماذجها لا تعطي وزنا كافيا لاحتمالية ” النتائج السيئة “علما انه كلما زاد الوزن الذي نعطيه للمخاطر المتعلقة بالنتائج السيئة وكلما اصبحت تلك النتائج اسوأ فإنه يتوجب علينا اتخاذ المزيد من الاحتياطات ولكن عندما بالكاد تعطي تلك الدراسات اي وزن الى النتائج غير المواتيه تماما فإنها تنحاز بشكل ممنهج ضد عمل اي شيء.

 

 

بالإضافة الى ذلك فإن تلك الدراسات تستخف بحقيقة ان النتائج لا تتغير حسب التغير في المدخلات ضمن وظائف الضرر أي بعبارة اخرى فإن انظمتنا الاقتصادية والبيئية قد تكون قوية ومرنة تجاه تغيرات بسيطة في درجات الحرارة مع زيادة الضرر فقط بما يتناسب مع درجة الحرارة ولكن عندما يصل التغير المناخي الى مستوى معين فإن زيادة الضرر سوف تتسارع بما يتناسب مع زيادة درجات الحرارة ،على سبيل المثال تصبح خسارة المحاصيل مسألة جدية نتيجة للصقيع والجفاف وبينما وجود تغير مناخي اقل من مستوى معين قد لا يؤثر على خطر وجود الصقيع او الجفاف ولكن مستوى اعلى من التغير المناخي قديزيد بشكل غير متناسب خطر هذه الانواء الشديدة .

 

وفي واقع الامر عندما تصبح عواقب التغير المناخي كبيرة فإننا نصبح اقل قدرة على امتصاص تكلفتها فلا يوجد صندوق تأمين يمكن استخدامه لو احتجنا لاستثمارات للتعامل مع الزيادات الكبيرة في مستويات سطح البحر والمخاطر الصحية غير المتوقعة والهجرة على مستوى ضخم وذلك نتيجة للتغير المناخي وفي واقع الامر انه في ظل تلك الظروف سيصبح عالمنا افقر واقل قدرة على امتصاص تلك الخسائر.

 

اخيرا ، فإن اولئك الذين يؤيدون مقاربة “ان ننتظر ونرى ما سيحدث” بالنسبة للتغير المناخي وانه يجب ان لانهدر اموالنا على افعال كبيرة اليوم من اجل مخاطرة غير مؤكدة في المستقبل عادة ما يطرحون جانبا تلك الخسائر المستقبلية بمعدل اعلى . ان هذا يعني انه عندما تقوم بعمل ما له تكلفة او فائدة مستقبلية ، يتوجب عليك تقييم القيمة الحالية لتلك التكاليف او الفوائد المستقبلية فلو كانت قيمة الدولار بعد خمسين سنة نفس قيمته اليوم فإنه قد يصبح هناك دافع للمرء لإن يتخذ عملا قويا من اجل منع الخسارة ولكن لو كانت قيمة الدولار بعد خمسين سنة من اليوم تساوي ثلاث سنتات فإن المرء لن يقوم بإتخاذ اي خطوة.

 

ان معدل الخصم ( كيفية تقدير التكاليف والفوائد المستقبلية مقارنة باليوم) يصبح حيويا ففي واقع الامر ذكرت ادارة الرئيس الامريكي دونالد ترامب ان المرء لا يريد انفاق اكثر من ثلاث سنتات تقريبا من اجل منع خسارة دولار خلال خمسين سنة . ان القول بإن الاجيال القادمة لا يعتد بها كثيرا هو خطأ من الناحية الاخلاقية ولكن مناصري عدم عمل اي شيء يتجاهلون التقدم الذي تم احرازه في الاقتصادات العامة خلال الخمسين سنة الماضية والتي كان تفسيرها مختلفا ويجادلون بإن الفعالية الاقتصادية تتطلب ذلك وهم على خطأ في ذلك.

 

يجب ان نتخذ خطوات قوية الان من اجل تجنب كارثة مناخية يتجه اليها العالم ومن التطورات المرحب بها وجود عدد كبير من القادة الاوروبيين يقودون الجهود للتحقق من ان العالم سيحقق التعادل المطلوب من حيث الاثر الكربوني بحلول سنة 2050 . ان تقرير المفوضية رفيعة المستوى لاسعار الكربون والتي اترأسها مع نيكولاس ستيرن يجادل انه يمكننا تحقيق هدف اتفاقية باريس للحد من الاحتباس الحراري بما لا يزيد عن 2 درجة مئوية وبطريقة تعزز من سبل العيش كما ان التحول للاقتصاد الاخضر يمكن ان يعزز الابتكار والرفاهية .

 

ان تلك النظرة تجعلنا مختلفين عن اولئك الذين يقترحون ان اهداف اتفاقية باريس يمكن ان تتحقق فقط من خلال وقف التوسع الاقتصادي وانا اعتقد ان هذا خطأ ولكن بغض النظر عن مدى خطأ الهوس بزيادة الناتج المحلي الاجمالي فإنه بدون النمو الاقتصادي سبقى مليارات الناس بدون ما يكفيهم من الطعام والاسكان والملابس والتعليم والرعاية الصحية ولكن هناك مساحة كافية لتغيير نوعية النمو وتخفيض تأثيره البيئي بشكل كبير فعلى سبيل المثال حتى بدون احراز تقدم تقني كبير يمكننا تحقيق التعادل في الاثر الكربوني بحلول سنة 2050 .

 

لكن هذه الاشياء لن تحدث من تلقاء نفسها كما انها لن تحدث لو تركنا الامور لقوى السوق فهي ستحدث فقط لو جمعنا المستويات الرفيعة من الاسثتمار العام مع القوانين والاحكام المنظمة القوية والتسعير البيئي المناسب كما انها لن تحدث لو وضعنا عبء التعديل على الفقير نفسه فالاستدامة البيئية يمكن ان تتحقق فقط بشكل مترابط مع الجهود لتحقيق عدالة اجتماعية اكبر .

 

 

———————————————————-

جوزيف ي ستيجلتز حائز على جائزة نوبل للاقتصاد وهو استاذ جامعي في جامعة كالفورنيا وكبير الاقتصاديين في معهد روزفيلت ولقد ألف مؤخرا كتاب الناس والقوة والارباح: الرأسمالية التقدمية لعصر الإستياء.

 

 

 

@حقوق النشر بالعربية محفوظة لـجريدة برواز الالكترونية

projectsyndicate@

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى