الإقتصاديموضوع مميز

جيم اونيل : القضية التي تتسبب بقضايانا

القضية التي تتسبب بقضايانا

جيم اونيل

 

لندن- لقد قمت مؤخرا كرئيس للمعهد الملكي للدراسات الدولية (تشاتم هاوس) باستضافة فعالية خارجية مع بعض من اقوى الداعمين للمعهد وموظفي الابحاث وقادة اخرين ولقد خرجت من هذه الفعالية بصورة اوضح عن ثلاث من اكبر القضايا في عصرنا الحالي: تباطؤ نمو الانتاجية والسياسات المناهضة للسلطة وصعود الصين .

 

بشكل عام فإن السبب وراء انه يوجد لدينا العديد من “القضايا” هو ان النموذج الرأسمالي العالمي قد توقف عن العمل بالطريقة المعهودة وخاصة في السنوات منذ الازمة المالية سنة 2008 وهذا قد اصبح واضحا للعديد من الناخبين الغربيين حتى بعد ان عانى الخبراء في فهم طبيعة التحولات الاقتصادية والسياسية الجارية على وجه التحديد.

 

طبقا للكتب الاقتصادية التي كنت اقرأها خلال نشأتي في سبعينيات القرن الماضي فإن الشركات الناجحة ضمن نظام قائم على اساس السوق يجب ان تقدم الأرباح للمساهمين فيها وهذا بدوره يجب ان يقود الى استثمار اقوى وتصاعد الأجور وفي الوقت نفسه فإن امكانية تحقيق الأرباح يجب ان تجذب المزيد من الداخلين الجدد للسوق وهذا بدوره سيقلل من ربحية المساهمين الحاليين ويزيد التنافسية ويعزز الابتكار.

 

إن هذا النمط لم يعد صالحا حيث يبدو ان ارباح المساهمين المعلنة آخذه في التصاعد بشكل مستمر – عادة بمساعدة ادارة فعالة للغاية للميزانيات والشؤون المالية- ولكن هناك ادلة قليلة على زيادة الاستثمارات او الاجور ونتيجة لذلك فإن الانتاجية في العديد من الاقتصادات المتقدمة اصبحت تتجه للانخفاض.

 

في مثل تلك الظروف ، ليس من المستغرب ان ينجذب الناخبين الغربيين الى احزاب سياسية مناهضة للسلطة ولكن هذا لا يعني تفكك الديمقراطية الليبرالية كما نسمع عادة وفي واقع الامر فإن التقرير القادم لتشاتم هاوس يشكك بشكل كبير بمصداقية هذه الادعاء الذي يثير مخاوف لا داعي لها.

 

بين فترة السبيعنيات من القرن الماضي وبداية الالفية الجديدة تحركت السياسة في الدول الغربية باتجاه اليمين –وهو توجه عكسه حزب العمال الجديد في المملكة المتحدة وقيادة حزب الديمقراطيين في الولايات المتحدة الأمريكية ولفترة من الزمان بدا ان نموذج السياسات هذا كان ناجحا وفي ظروف النمو المستمر والتضخم المنخفض والموجة المتصاعدة التي رفعت جميع (أو معظم القوارب)، تبلور اجماع نيوليبرالي ،وتم تهميش الاراء البديلة.

 

كل شيء تغير بعد 2008 فخلال العقد الماضي يبدو ان الاسواق توقفت عن تحقيق النمو الذي يمكن تقاسمه على نحو واسع ولم تأتي الاحزاب الرئيسية بأية افكار جديدة وعليه توجه الناخبين للاصوات التي كانت مهمشة على اليسار واليمين . لقد كان من المؤكد ان سياسات اقصى اليسار التي اقترحها زعيم حزب العمال البريطاني جيرمي كوربين لم تكن لتنجح ولكن هذا لم يكن مهما فالمهم للناخبين المهمشين هو ان مقترحات كورين تقدم شيئا جديدا لا يمنحه النظام الحالي وبنفس الطريقة فإن اولئك المنتمين لمعسكر اليمين من غير المرجح ان يقدموا المزيد من الازدهار ولكن افكارهم تتميز بانها تبدو مختلفة فالقاء اللوم على الهجرة والعولمة والصين لكل شيء يبدو انه يقنع الكثيرين .

من اجل تقديم خيار افضل للناخبين ، يتوجب على الوسط ان يقدم ما هو افضل من ذلك للتحقق من ان قوى السوق تحقق نفس النتائج كما كان عليه الحال في العقود السابقة وعليه فإن التركيز على اتهامات عامة تتعلق بالشعبوية وانتهاء الديمقراطية لن يحقق اي شيء .

 

ان الكثيرين من زملائي الليبراليين خلال محاولتهم توضيح اللحظة الحالية يعتمدون على طرح خاطىء فالمشكلة ليست ان القوى الشعبوية الجديدة المخيفة تدمر النموذج الاقتصادي ما بعد مرحلة الحرب العالمية الثانية بل العكس صحيح تماما . ان صعود الحركات السياسية الجديدة هو نتيجة منطقية للفترة السابقة التي تميزت بتعزيز الليبرالية الجديدة وفشل التفكير الوسطي في تقديم نفس النتائج التي كان يحققها في السابق .

 

في واقع الامر هناك بعض الصحة في الطرح القائل بإن وسائل التواصل الاجتماعي قد عملت على تسهيل انتشار الاراء غير التقليدية –واحيانا البغيضة – . لقد كان من الواضح ان كبرى شركات وسائل التواصل الاجتماعي لم تنفق ما يكفي على حماية مستخدميها من الدعاية المعقدة والاحتيال وما شابه ذلك ولكن السؤال الحقيقي هو لماذا تلك الرسائل وجدت العديد من الاذان الصاغية. ان نفس التقنيات التي تسمح للاصوات المهمشة ان تصل لجمهور اضخم بكثير متوفره كذلك للوسطيين . لقد عززت حملة باراك اوباما الرئاسية في الولايات المتحدة الامريكية سنة 2008 من قوة هذه المنابر بشكل كبير.

 

اخيرا ، أن النزاع الصيني الامريكي المتعلق بالتجارة والتقنية ربما يبدو اكثر دراماتيكيه بسبب اشراكه لقوة صاعدة ليست ليبرالية وليست غربية ولكن جوهر الصراع هو اقتصادي وخلال العقد القادم تقريبا فإن من المرجح ان يتجاوز الاقتصاد الصيني الاقتصاد الامريكي ليصبح الاضخم في العالم.

 

بالنسبة لي يتوجب على صناع السياسة الغربيية ان يكافحوا مرض الخوف من الصين وتشجيع مجتمعاتهم على التعايش بشكل مريح مع الصين فالتقدم الاقتصادي في الصين لن يمنع سكان امريكا والبالغ عددهم 327 مليون نسمه من ان يصبحوا اكثر ثراءا ولو تبنى الغرب سياسات منطقية فإن الشركات والمستهلكين في الغرب سوف يستفيدون بشكل كبير من نمو الصين .

 

بالنسبة لمراكز الابحاث مثل تشاتم هاوس فإن من الواضح انه يتوجب علينا ان نلعب دورا نشطا اكبر في توضيح الحقائق فيما يتعلق بجميع تلك القضايا حيث ستكون من الأمور المأساوية ان نضحي بازدهارنا الجماعي كنتيجة للتفكير غير الواضح .

 

 

———————————————————–

جيم اونيل هو رئيس سابق لادارة الاصول في جولدمان ساكس ووزير سابق للخزانة في المملكة المتحدة وهو يعمل حاليا كرئيس لتشاتم هاوس .

 

 


@حقوق النشر باللغة العربية محفوظة لـ جريدة برواز الالكترونية 

 

projectsyndicate@

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى