الإقتصاديموضوع مميز

اندرو دونالدسون : هل سينجح رامافوسا ؟

 

هل سينجح رامافوسا ؟

 

بقلم : أندرو دونالدسون

 

كيب تاون – قاد رئيس جنوب إفريقيا سيريل رامافوسا حزب المؤتمر الوطني الإفريقي الحاكم (ANC) الذي ينتمي إليه إلى فوز محقق في الانتخابات البرلمانية التي أجرتها البلاد في وقت سابق من هذا الشهر. لكن من المرجح أن يكون بناء الانتعاش الاقتصادي الذي تحتاجه جنوب إفريقيا أكثر صعوبة.

 

لقد تمكنت بنوك البلاد من الصمود أمام ضغوط الركود في الفترة 2008-2009، وأبقى البنك الاحتياطي لجنوب إفريقيا التضخم بالقرب من نطاق مستهدف يتراوح بين 3 و 6 في المائة على مدار العشرين عامًا الماضية. لكن عقداً من ركود الدخل، وارتفاع معدلات البطالة، والكشف المتسلسل عن المخالفات التجارية والفساد الرسمي، أثارت غضبا شعبيا واسع النطاق. ونتيجة لذلك، تراجعت حصة التصويت لكل من حزب المؤتمر الوطني الأفريقي ومنافسه الرئيسي، حزب التحالف الديمقراطي المعارض (DA)، إلى جانب انخفاض ملحوظ في معدل المشاركة في الانتخابات وزيادة الدعم للأحزاب القومية اليسارية واليمينية.

 

علاوة على ذلك، لن يكون لدى الحكومة الجديدة التي يقودها حزب المؤتمر الوطني الأفريقي مساحة تذكر لتوفير الحوافز المالية. يشهد الدين الحكومي ارتفاعاً كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي، وتخضع التصنيفات الائتمانية للبلاد للتدقيق الشديد، ويؤدي العجز الهائل في الميزانيات العمومية للشركات المملوكة للدولة إلى ضغوط مالية عامة.

 

وبالتالي، يجب أن تتجاوز خطة النمو الحكومية أيديولوجية حزب المؤتمر الوطني الأفريقي والعقائد الضيقة. يجب أن تركز بدلا من ذلك على استثمارات القطاع الخاص، إلى جانب إصلاحات سياسية فعالة وموثوقة، وينبغي أن تهدف أيضًا إلى إعادة توزيع الدخل. اٍن الاتفاق على العناصر الرئيسية لهذه الخطة بين مجموعة واسعة من القادة السياسيين وأصحاب المصلحة الآخرين سيكون عاملاً حاسماً في تحقيق النجاح.

 

حدد برنامج بحثي ممول من قبل الحكومة حول التوظيف والنمو الشامل، والذي تديره وحدة جنوب إفريقيا لأبحاث العمل والتنمية بجامعة كيب تاون، عدة أولويات محتملة. إن الفكرة الرئيسية، وفقًا لرافي كانبور من جامعة كورنيل، هي “الصفقة الكبرى” التي تحقق التوازن بين إيجاد الوظائف على المدى القصير والنمو مقابل الإصلاحات الهيكلية الأعمق على المدى الطويل.

 

يجب أن يكون الاستثمار في البنية التحتية الحضرية ورفع معدل النمو من أولويات الحكومة، حيث تُشير الأبحاث إلى أهمية هذه التدابير بالنسبة للحركة التصاعدية وارتفاع مستويات المعيشة. سيتطلب تحسين البنية الأساسية والخدمات مزيجًا من التمويل العام والخاص، بالإضافة إلى تحسين استرداد تكاليف الخدمات الحضرية. ولكن مع وجود حكومة وطنية يقودها حزب المؤتمر الوطني الإفريقي، وثلاث مدن رئيسية خاضعة لحكم حزب التحالف الديمقراطي المعارض، يمكن أن تتسبب الأساليب السياسية في عرقلة التقدم.

 

يُعد الاستثمار السريع في الإسكان أمرا ضروريا أيضا. ينبغي مواصلة تنفيذ مخططات الإسكان التي ترعاها الحكومة وتحديث الإسكان غير الرسمي، لكن إمكانيات النمو الرئيسية تكمن في تخفيف الحواجز أمام الاستثمار في الإسكان الخاص والتمويل والتنمية المشتركة. يُعد الإسكان الحضري وملكية الأراضي ونمو الأعمال التجارية الصغيرة المرتبطة بها من الحلول الفعالة لتحسين توزيع الثروة الأسرية ومستويات المعيشة. لكن هذه التدابير تتطلب مبادرات مشتركة بين الحكومة والسلطات البلدية والمؤسسات المالية والمستثمرين.

 

 

مع ارتفاع معدل البطالة في جنوب إفريقيا حاليًا بما يفوق 25٪، يجب على الحكومة أن تجعل خلق فرص العمل من أولويات سياساتها الصناعية والتنموية الحضرية. إن كل من قطاعات الزراعة والسياحة وخدمات الإصلاح والصيانة، والتصنيع الأكثر كثافة للعمالة لديها إمكانيات النمو. ولكن، كما قال جيم أونيل وراغورام راجان مؤخراً، من المرجح أن تؤدي الاستثمارات في المناطق الجغرافية وتنمية المجتمع إلى توليد مكاسب إنتاجية ومؤسسات دائمة أكثر من دعم قطاعي مستهدف.

 

 

يجب على الحكومة النظر في التغييرات التنظيمية وتمكين التدابير لدعم العمالة غير الرسمية ونمو الأعمال التجارية الصغيرة، كما ينبغي عليها تعزيز سياسة المنافسة لمواجهة قوة السوق الحالية. وفي الوقت نفسه، أيد رامافوسا مبادرة “خدمة تشغيل الشباب” التي تقودها الشركات: يجب توسيع هذه الشراكة بين القطاعين العام والخاص بسرعة.

 

 

أثناء معالجة هذه الأولويات الحاسمة، على الحكومة الجديدة أيضًا المضي قدمًا في الإصلاحات الرامية إلى تعزيز الاقتصاد على المدى الطويل. هناك ثلاثة تدابير رئيسية.

 

 

أولاً، يتمثل التحدي الأكبر في جنوب إفريقيا في استعادة قطاعها الكهربائي الموحد، “ايسكوم”، إلى الصحة المالية. أدت التأخيرات الطويلة في إعادة هيكلة قطاع الطاقة، وزيادة عدد الموظفين، وتجاوز التكاليف، والأخطاء الفنية في بناء محطات توليد الطاقة الجديدة التي تعمل بالفحم، وإخفاقات الحوكمة الشاملة إلى تعريض المؤسسات العامة المملوكة للدولة للإفلاس. يجب التفاوض على إعادة التمويل على نطاق واسع، إلى جانب إعادة تنظيم المؤسسات التي تجلب المنافسة وحوافز السوق في قطاع توليد الطاقة. ويجب رفع تعريفة الكهرباء، ومعالجة نقاط الضعف في جمع الإيرادات المحلية.

 

ستكون إعادة الهيكلة المطلوبة معقدة ومكلفة ومثيرة للجدل. ولكن إذا نجحت، فسوف تقطع البلاد شوطًا طويلًا نحو استعادة الثقة في حكومة جنوب أفريقيا وآفاقها الاقتصادية.

 

ثانياً، تميل الحكومة الجديدة إلى التدخل في إصلاحات التأمين الاجتماعي بهدف توفير تأمين شامل للدخل وتغطية صحية شاملة. وتشمل هذه التغييرات تحولات في التوازن بين المدخرات الخاصة وترتيبات التأمين الطبي، والتمويل الإلزامي للمنافع القانونية. كما أنها تنطوي على تغييرات أساسية في طريقة إعادة التوزيع المالي. ستنتقل جنوب إفريقيا من التمويل “المدعوم بالميزانية” لدعم الدخل الذي تم اختباره من أجل توفير الخدمات الصحية للفقراء والعامة لغير المؤمن عليهم إلى البرامج الشاملة الممولة بشكل منفصل لحماية الدخل والحصول على الرعاية الصحية.

 

هناك حاجة إلى هذه الإصلاحات طويلة الأجل لتعزيز التضامن والحد من عدم المساواة، واستكمال التوسع الحضري والتحديث. لكن بناء المؤسسات المطلوبة صعب للغاية، كما أن تنفيذ العديد من الإصلاحات يحتاج إلى دراسة متأنية ودقيقة.

 

أخيرًا، تحتاج الحكومة الجديدة إلى تحسين قطاع التعليم والتكوين وتنمية المهارات. إن العمل الذي يتعين القيام به واضح للغاية. يجب تعليم مهارات القراءة الأساسية بشكل صحيح في السنوات الأولى، وتحسين إدارة المدارس، واستبدال نظام التكوين المنظم على أساس الرسوم بأكاديميات مسؤولة أمام غرف الأعمال المحلية وأرباب العمل. هناك حاجة أيضا إلى معايير ومناهج ذات توجه مركزي، إلى جانب زيادة اللامركزية في الإدارة لتعزيز المساءلة والتكيف مع الاحتياجات المحلية.

 

لدى رامافوسا أجندة إصلاح اقتصادي طويلة الأمد وشعب متحمس لتحقيق النتائج. إن قراره الأخير بإحياء وحدة تنسيق الخبراء في مكتب الرئيس بمثابة خطوة مشجعة. لكنه سيحتاج إلى كل من المهارات والمؤهلات السياسية اللازمة للتغلب على الفساد والقصور الذاتي البيروقراطي الذي يعيق اقتصاد جنوب إفريقيا.

——————————————–

أندرو دونالدسون هو نائب المدير العام السابق للخزانة الوطنية لجنوب إفريقيا، ويشغل حاليًا منصب باحث أول في وحدة أبحاث العمل والتنمية بجنوب إفريقيا بجامعة كيب تاون.

 

@projectsyndicate

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى