مقالات

غسان نصيف يكتب… احتجاجات الجيل “زد”حول العالم: فرصة أخيره للتغيير السلمي

غسان نصيف*

يبرز جيل زد (المولود من العام 1995 إلى أوائل العقد الثاني من الألفية الثالثة للميلاد) كأول جيل يُعتبر “مواطناً رقمياً” بحق، حيث نشأ في بيئة متشبعة بالإنترنت والتقنيات الرقمية. لكن مهارات هذا الجيل التقنية ليست ابرز ما يميزه، بل أيضاً وعيه الأكبر من الأجيال التي سبقته بالتحديات الاجتماعية والاقتصادية التي يعيشها وسيعيشها في السنوات القليلة المقبلة، مما يدفعه لقيادة حركات احتجاجية تعيد تعريف المشهد السياسي في دول مثل المغرب.

لكن وجب التنويه بأن الاعتقاد المنتشر بأن الحراكات التي يقودها أبناء هذا الجيل تمثل توجهاً محدداً أو أيديولوجية واحدة أو حتى طريقة احتجاج واحدة غير صحيح. إن أردنا إيجاد الصفات المشتركة في كل التحركات والاحتجاجات القائمة، سنجد أن المحتجين غالبيتهم شبان ينتمون لنفس الفئة العمرية، وهذا أمر طبيعي في كل الاحتجاجات والثورات والحراكات وحتى الحروب حول العالم، فمن يقوم دائما بالتحرك هم شباب كل جيل.

أيضاً ما يمكن ملاحظته من مشتركات في مجموع التحركات، هو الوضع الاقتصادي والحقوقي المتدهور حول العالم، تصاعد اليمين وتغول النيوليبرالية الجديدة المتوحشة ونتيجتها الحتمية بتجمع رؤوس الأموال عند ما يقل على 10% من أغنياء العالم بينما ينتشر الفقر ويتصاعد عمودياً في الفئات الاقتصادية التي كانت فوق مستوى الفقر، سمات مشتركة عند أكثر الدول حول العالم وإن تغيرت الجغرافيا والديموغرافيا.

جيل “زد”؟

يتميز أبناء “الجيل Z” بقدرات رقمية فائقة، فهم يتعاملون مع التكنولوجيا بسلاسة، وتشكل منصات التواصل الاجتماعي جزءاً أساسياً من هويتهم وعلاقاتهم. ومع ذلك، فإن تعرضهم المبكر للشاشات جعلهم أكثر تأثراً بآثارها السلبية، خاصة في مرحلة المراهقة.

على المستوى السلوكي، يميل هذا الجيل إلى الحذر والتحفظ مقارنة بالأجيال السابقة، حيث يسجل في بعض المجتمعات المتقدمة انخفاضٌ ملحوظٌ في معدلات الحمل لدى المراهقات، وتناول الكحول، والسلوكيات الخطرة. كما يُظهرون اهتماماً أكبر بالأداء الأكاديمي وفرص العمل، ويعبرون عن رغبة في عيش حياة مستقرة وآمنة، ربما نتيجة ترعرعهم خلال فترات الركود الاقتصادي التي غذت لديهم شعورًا بعدم الأمان.

جيل “زد” المغربي

لم يعد جيل زد مجرد متلقٍ سلبي للأخبار، بل تحول إلى فاعلٍ رئيسيٍ في المشهد السياسي. فباستخدام أدوات التنظيم الرقمية، إستطاع هذا الجيل تجاوز القنوات التقليدية للتعبير، مما أتاح له قيادة حركات احتجاجية بسرعة وكفاءة. كما أنه يتبنى اللغة الإنجليزية لغة بديلة عن الفرنسية في بعض السياقات، مما يعكس تحولًا في البنية الرمزية للنخب الجديدة.

في المقابل، تعاني العديد من الأنظمة السياسية، كما هو الحال في المغرب، من أزمات عميقة. حيث تحولت الأحزاب إلى “ماكينات انتخابية” بلا مضمون أو رغبة حقيقة للتغير أو تسيير المجتمع نحو ما تصب أيديولوجية هذه الأحزاب له، وغاب النقاش العميق داخل المؤسسات والإعلام. كما أن صعود “نجوم التفاهة” على حساب النخب الفكرية والنقدية (خصوصاً في شاشات هواتف أبناء الجيل زد)، أفقد المجتمع وسائط التعبير العقلاني، مما مهد الطريق لظهور غضب شعبي غير منظم.

في المغرب، مثل جيل “زد” الشرارة التي أشعلت احتجاجات واسعة، كانت حسب المتحدث السابق باسم القصر الملكي حسن أوريد نتيجة تراكم الإخفاقات الاجتماعية والاقتصادية وتفاقم الشعور بالتهميش بسبب ضعف الخدمات العمومية، واتساع الفوارق الطبقية، وتأثير الأزمات العالمية مثل جائحة كورونا والحرب في أوكرانيا (التي أثرت بشكل كبير على الدول من مستوردي الحبوب) والجفاف. وحسب أوريد فان الملك محمد السادس نفسه، في خطاب الجلوس بتاريخ 29 يوليو/تموز الأخير، قد عبر عن شجبه لمغرب بوتيرتين. كان المغرب يسير فعلا بوتيرتين: واجهة براقة، وفي الوقت نفسه واقع خلفي كابٍ لمغرب آخر.

محطات الاحتجاج:

– الشرارة: أحداث مأساوية مثل وفيات أثناء الولادة ونقص الأطباء في المناطق النائية.

· التطور: مرت الاحتجاجات بمراحل متعددة: بدأت بمحاولات المنع، ثم الانتقال إلى الاحتواء، وأخيرًا موجة من التصعيد السلمي والتنظيم الأفضل.

· التأثير: تحولت المظاهرات إلى فضاء يجمع بين الهم الوطني والإنساني، خاصة مع تضامن الشباب مع القضية الفلسطينية ورفض التطبيع الذي أستمر على الرغم من كل ما يراه الشباب في هواتفهم المستمرين ورائها لمدة عامين في غزة.

المغرب بسرعتين: صورة الدولة والمجتمع

الثنائية التي أشار لها الملك محمد السادس في خطابه حول “مغربين”، أحدهما يظهر بالواجهة البراقة، والآخر يعيش واقعاً يومياً صعباً. هذه الثنائية تعكس تفاوتات عميقة، حيث تتحكم “أوليغارشيات” مالية في القرار السياسي من وراء الستار، بينما تعاني المؤسسات العمومية من الانهيار.

غياب الطبقة السياسية الحقيقية بأحزاب تمثل أراء الشعب أو تبين بارقة أمل في مستقبل أفضل عن طريق المشاركة الانتخابية عزز كما الوزراء (التابعين غالباً لمنظومة سياسية فاشلة) الذين يفتقرون إلى الكاريزما ومهارات التواصل زاد من اتساع الفجوة بين الدولة والمواطن. وفي ظل هذا الفراغ، برز جيل زد كقوة جديدة تعيد تعريف أساليب التعبير والمطالبة بالتغيير.

حراكات الجيل زد: موجة عالمية من التغيير يقودها الشباب

لا تمثل احتجاجات الجيل زد في المغرب ظاهرة محلية معزولة، بل هي جزء من موجة احتجاجية عالمية تجتاح قارات العالم من أوروبا إلى آسيا وأمريكا اللاتينية. يكشف البحث لحراكات “الجيل زد” حول العالم عن أنماط متشابهة رغم اختلاف الجغرافيا والثقافات.

أبرز السمات المشتركة في الحركات العالمية:

1- الفساد والشفافية: تتصدر مكافحة الفساد قائمة المطالب من المغرب إلى الفلبين وباراغوي.

2- · الأوضاع الاقتصادية: تبرز الاحتجاجات ضد غلاء المعيشة وعدم المساواة في إندونيسيا ومدغشقر، وكينيا.

3- القضايا الإنسانية: تتداخل الهموم العالمية مثل القضية الفلسطينية في الاحتجاجات الإيطالية وفي فرنسا.

4- الاستجابة السريعة: تظهر فعالية التنظيم الرقمي في تحقيق نتائج ملموسة كما في نيبال وتيمور الشرقية.

تمكن أبناء الجيل زد في تحركاتهم في عدة دول من تحقيق إنجازات تاريخية، ففي نيبال مثلاً، تم إجبار رئيس الوزراء على الاستقالة وإلغاء حظر وسائل التواصل الاجتماعي. وفي كوريا الجنوبية تم عزل الرئيس وإجراء انتخابات رئاسية جديدة. اما في كينيا، فقد تم إسقاط قانون الضرائب بعد احتجاجات واسعة. وفي بنغلاديش، تم إسقاط نظام حكم الشيخة حسينة واستقالة رئيسة الوزراء.

النموذج المغربي في السياق العالمي: الخصوصية والتشابه

يمثل الحراك المغربي حالة فريدة تجمع بين الخصائص العالمية والخصوصيات المحلية ويمكن تلخيص أوجه التشابه مع الحركات العالمية في النقاط التالية:

1. الاعتماد على التنظيم الرقمي اللامركزي.

2. الربط بين القضايا المحلية والعالمية كالقضية الفلسطينية.

3. قيادة الشباب تحت سن 25 سنة للحراك.

جيل زد لم يعد مجرد جيل مرتبط بالتكنولوجيا، بل أصبح صوتًا يرفض الصمت. في المغرب وفي كل انحاء العالم وبشكل متواصل كما يتواصل سقوط احجار الدومينو، يمثل هذا الجيل بداية تحول تاريخي متوازن مع ما يتعرض له مستقبل هذا الجيل حول العالم من فقد الثقة والأمل في مستقبل يمكن لهم أن يحلموا فيه برفاهية يرونها في شاشاتهم، حيث حوّل الغضب الرقمي إلى حراك حقيقي على الأرض.

التحدي الآن يكمن في قدرة النخب والمؤسسات على فهم متطلبات هذا الجيل واستيعاب طاقاته قبل أن يتحول الغضب إلى عنف، أو الأسوأ، إلى يأس لن تكون الحكومات الواقفة لتحمي فتات مصالحها التي تسقط من أنياب “الاولغارشية” في كل مكان قادرة على مواجهة ما لا يمكن وصفه إلا ثورات عارمة قادمة تتجهز بسرعة وتزيد سرعتها مع نجاح من سبقها من حراكات قريبة جغرافياً كانت أو بعيدة.

الإصلاح وإبقاء بارقة أمل حقيقة لهذا الجيل الجديد الذي تفتحت عقوله وعيونه هنا وهناك، في خضم وضع سيء من نواحيه المختلفة، سواء كانت اقتصادية، أو حقوقية، أو سياسية، أو إنسانية، هو السبيل الوحيد لتفادي الامتثال لمقولة “أكلت يوم أكل الثور الأبيض”.

*غسان نصيف كاتب بحريني مهتم بقضايا الشباب.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى