الإقتصاديموضوع مميز

د. كينيث روجوف : اتركوا الرنمينبي خارج محادثات التجارة الأميركية الصينية

 

اتركوا الرنمينبي خارج محادثات التجارة الأميركية الصينية

 

 

بقلم د . كينيث روجوف

 

كمبريدج ــ تُرى هل تؤدي اتفاقية تجارية أميركية صينية ربما تكون وشيكة إلى إرباك دورات الأعمال العالمية أو حتى غرس بذور الأزمة المالية الآسيوية المقبلة؟ إذا أسفر الاتفاق النهائي ــ على افتراض وجوده حقا ــ إلى إجبار الصين على الالتزام إلى أجل غير مسمى بنظام سعر الصرف العتيق المفرط التصلب، فربما تكون الإجابة “أجل”.

 

إن الإبقاء على سعر صرف الرنمينبي مستقرا مقابل الدولار الأميركي يتطلب إما أن تضاهي السلطات الصينية التغييرات في أسعار الفائدة الأميركية، أو تمر بالتشوهات المرتبطة بضوابط رأس المال في محاولة التعويض عن ضغوط أسعار الصرف بطرق أخرى. لكن الصين ببساطة أكبر وأكثر انتشارا على مستوى العالم من أن يُفرَض عليها الالتزام بسياسة سعر صرف تناسب بشكل أفضل اقتصادا صغيرا مفتوحا.

 

علاوة على ذلك، لا يتناسب أي من النهجين للإبقاء على الرنمينبي مستقرا ــ الحفاظ على تعادل سعر الفائدة أو تطبيق ضوابط رأس المال ــ مع اقتصاد نادرا ما تتزامن دورات أعماله مع نظيراتها في الولايات المتحدة. مع انخفاض اتجاه الأداء الاقتصادي، والإفراط في البناء في قطاع الإسكان، والحكومات الإقليمية المفرطة في الاستدانة، من المحتم أن تواجه الصين مشاكل حساسة سياسيا في التعامل مع النمو. وعندما يحدث ذلك، يجب أن يكون بنك الشعب الصيني قادرا على تخفيف الشروط النقدية دون اضطرار إلى القلق بشأن دعم سعر الصرف.

 

 

عندما تخضع أي دولة لضغوط مالية واقتصادية كلية خطيرة، يكون الحفاظ على سعر صرف غير مرن وصفة معروفة جيدا للكارثة. وكان صندوق النقد الدولي، جنبا إل جنب مع أغلب الاقتصاديين الأكاديميين، يؤكدون على هذه النقطة لفتر طويلة للغاية.

 

 

الواقع أن إبرام اتفاق سعر الصرف على هذا النحو بين أميركا والصين لن يكون متوافقا مع عناصر أخرى لاتفاق تجاري ثنائي محتمل أغلبه مربح للجانبين. على سبيل المثال، تعهدت الصين بفرض حقوق الملكية الفكرية بقوة أكبر كثيرا، وإن كان يتبقى لنا أن نرى إلى أي قدر. وربما يفيد المزيد من نشاط الصين في هذا المجال الشركات الأميركية والأوروبية في الأمد القريب، لكنه في الأمد البعيد سيساعد في تعزيز المنافسة والإبداع في قطاعي الصناعة والتكنولوجيا في الصين ذاتها.

 

 

في أوائل القرن التاسع عشر، كانت الولايات المتحدة، مثلها كمثل الصين اليوم، غير مهتمة كثيرا بحماية حقوق الملكية الفكرية للشركات الأجنبية (التي كانت بريطانية في الأغلب الأعم)، وكان الأميركيون يحاكون الأفكار والمخططات على نطاق واسع. ولكن مع اكتساب المبدعين الأميركيين لقدر أكبر من النجاح، أصبحوا هم أيضا في احتياج إلى حماية حقوقهم، وفي الوقت المناسب رفعت الولايات المتحدة قوانينها الخاصة ببراءات الاختراع والملكية الفكرية إلى مستوى المعايير العالمية.

 

 

وربما ينتج موقف آخر يتحقق فيه الربح للجميع من إصرار أميركا على امتناع الحكومة الصينية عن إغداق إعانات الدعم السخية على المصدرين. فمعظم إعانات الدعم هذه تذهب إلى شركات تعوزها الكفاءة مملوكة للدولة الصينية، والتي تمتص الائتمان وغير ذلك من الموارد بعيدا عن القطاع الخاص الأكثر ديناميكية.

 

 

بشكل أكثر عموما، ربما يعطي الاتفاق التجاري زخما جديدا للإصلاحات في الصين، والتي يبدو أنها توقفت أو انقلبت في الاتجاه المعاكس في السنوات القليلة الماضية. في رحلة قمت بها مؤخرا إلى بكين لحضور منتدى التنمية في الصين، سألت مسؤولا صينيا كبيرا للغاية عن هذا التباطؤ. كنت أتوقع منه أن يسرد عليّ قائمة طويلة من الإصلاحات غير المهمة، تمشيا مع الخط المعتاد المتمثل في أن الصين تقوم بالأشياء بشكل تدريجي طوال الوقت. ولهذا، فوجئت عندما اعترف بصراحة قائلا: “نحن لا ننفذ إصلاحات اقتصادية كبرى إلا عندما نكون في أزمة، ونحن لم نصادف أزمة كبيرة بالقدر الكافي في الآونة الأخيرة”.

 

 

من هذا المنظور، يبدو الرئيس الأميركي دونالد ترمب وكأنه الوصفة التي كتبها الطبيب على وجه التحديد، لأنه أرغم السلطات الصينية على الاعتراف بأنهم لم يعد بإمكانهم الاعتماد على الطلب الاستهلاكي للإبقاء على قاطرة النمو في الصين مندفعة إلى الأمام. الواقع أن بعض المراقبين يمزحون بفكرة أن ترمب هو مخلص الاقتصاد الصيني، لأن الذعر إزاء حرب تجارية محتملة يساعد في حفز الإصلاحات البنيوية المتوقفة منذ فترة طويلة.

 

 

لكن الضغط الأميركي على الصين لحملها على الالتزام بسعر صرف أكثر استقرارا للرنمينبي في مقابل الدولار، وتجنب خفض قيمة عملتها تنافسيا، ربما يحمل في طياته المزيد من تقويض الإصلاح الاقتصادي. وبشكل خاص، مثل هذا النظام من شأنه أن يمنع الصين من أن تتبنى بالتدريج القدر الكافي من مرونة سعر الصرف الأكبر اللازمة لسياسة نقدية أكثر استقلالية.

 

 

يبدو أن فريق ترمب وقع تحت انطباع مضلل مفاده أن الصين كانت تتدخل للإبقاء على عملتها ضعيفة، من أجل الترويج لصادراتها. والواقع أن وجه النظر القائلة بأن الصين تتلاعب بعملتها، والتي بالغ في تصويرها لفترة طويلة بعض المعلقين، يصغر من شأن حقيقة مفادها أن جذور القدرة التنافسية الفائقة التي تتمتع بها الصين كانت لفترة طويلة أجورها المنخفضة نسبيا.

 

 

الأمر الأكثر أهمية هو أن الاتهام بأن الصين تتلاعب بسعر الصرف لا ينسجم على الإطلاق مع التاريخ الحديث. ففي السنوات الأخيرة، كانت الضغوط على الرنمينبي تدفعه إلى حد كبير إلى الهبوط، وقد استجابت الحكومة بفرض قيود أكثر صرامة على تدفقات رأس المال المشروعة وغير المشروعة على حد سواء. وبدلا من وضع سقف لارتفاع سعر صرف الرنمينبي، كانت السلطات الصينية تضع حدا أدنى لانخفاض سعره، وهو ما يرجع جزئيا إلى الخوف من أن يؤدي خفض القيمة المفرط السرعة إلى خروج جماعي لرأس المال.

 

 

قد لا يكون سعر الصرف غير المرن نقطة الضعف الوحيدة المحتملة التي تعيب الاتفاق التجاري النهائي بين الولايات المتحدة والصين. كما يبدو أن المفاوضين الأميركيين لم تعجبهم قاعدة محاسبية تقوم على أن الحساب الجاري لأي بلد (مقياس عريض لميزانها التجاري) يعادل دائما المدخرات الوطنية مطروحا منها الاستثمار الوطني. وإذا كان نمو الاستهلاك الأميركي قويا وكانت الحكومة الأميركية تواجه عجزا ماليا ضخما، فيجب على أميركا أن تقترض من مكان ما. وإذا كانت الصين مضطرة إلى خفض فائضها التجاري الثنائي مع أميركا، فإنها ستنقل ببساطة المراحل النهائية من إنتاج السلع إل الخارج، بحيث يجري تسجيل الواردات الأميركية على أنها قادمة من دولة آسيوية أخرى، مثل فيتنام.

 

 

صحيح أن دفع الصين إلى التوافق مع الممارسات التجارية العالمية التقليدية أمر مهم للعالم أجمع. وكانت الخطابات التي أدلى بها الرئيس الصيني شي جين بينج مؤخرا مشجعة في هذا الصدد (وأن كان المرء يتمنى لو تتناول المحادثات التجارية قضية حماية البيئة). ولكن إذا كان الاتفاق النهائي يمنع الصين من اكتساب قدر أكبر من استقلالية السياسة النقدية، فربما يخلق مشاكل كبرى عندما يأتي الركود الآسيوي الكبير المقبل. في هذه الحالة، يكون المفاوضون الأميركيون أظهروا قوتهم التفاوضية، ولكن ليس حكمتهم.

 

 

 

ترجمة: إبراهيم محمد علي      

 

————————————————————————-

كينيث روجوف كبير خبراء الاقتصاد لدى صندوق النقد الدولي سابقا، وهو أستاذ الاقتصاد والسياسة العامة في جامعة هارفارد.

@projectsyndicate

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى