الإقتصادي

كل ماتريد معرفته عن تعويم الجنيه المصري والآثار المترتبة عليه وخسارة المصريين لمدخراتهم

رسميا تعويم كامل حر للجنيه المصري لأول مرة في تاريخه

خرج البنك المركزى المصري للمرة الأولى في تاريخه عن السماح بالتسعير العادل للجنيه طبقًا لآليات السوق ما يعني تعويم الجنية المصري كليا أمام العملات الأجنبية وارتفاع مفاجئ في لسعر الدولار في البنوك.

وعن اراء خبراء الإقتصاد فقد تختلف الآثار المترتبة على تعزيز أو إضعاف قيمة العملة وفقًا للظروف الإقتصادية وكذلك السياسات الإقتصادية المنتهجة.

فمن الممكن أن تفضِّل دولة ما – تتبنى النمو القائم على التصدير – مثل الصين، بانخفاض قوة عملتها للحفاظ على فعالية السلع والخدمات المنتجة محليًا من حيث التكلفة ومواصلة اجتذاب المشترين الأجانب. وبالتالي، فإن العملة الأضعف نسبيًا ستعزز صادراتها، مما يعزز الاقتصاد من خلال تلقي العملات الأجنبية ونمو الناتج المحلي الإجمالي. من ناحية أخرى، فإن البلدان التي تهدف إلى النمو القائم على التوريد، مثل الولايات المتحدة، تهتم بأن يكون لها قيمة عملة عالية تمكنها من التمتع بقوة شرائية قوية واستيراد المنتجات بكميات كبيرة

لذلك، فمن المهم تحديد نمط النمو المرجو والسياسات المتبعة والتي ستتحرك قيمة العملة على أساسها.

ما هو تحرير سعر صرف العملة أو ما يسمى “التعويم”؟

تحرير الصرف يعني أن قوى العرض والطلب ستحدد سعر العملة.

وتشهد العملة المحررة قيمًا مختلفة طبقًا لمواسم الرواج والكساد بالمقارنة مع مصادر العملات الأجنبية.

وهذا يختلف عن تخفيض قيمة العملة، وهو التعديل التنازلي المتعمد لقيمة النقود بالنسبة لعملة أخرى. يستخدم تخفيض قيمة العملة كأداة للسياسة النقدية في نظام سعر الصرف الثابت أو شبه الثابت.

وبالعودة لما حدث للجنيه المصري نجد أنه قد تراجعت قيمة الجنيه المصري بشكل كبير أمام الدولار بعد أن أنهى البنك المركزي المصري نظام سعر الصرف المدار، وأعلن عن تحرير صرف العملة المصرية في 27 أكتوبر 2022.

وقد فقد الجنيه المصري نحو 24% من قيمته منذ اخر تحرير شهده في مارس 2022، ومع ذلك، تعتقد مؤسسة Fitch Solutions أنه سيستمر في الانخفاض حتى دخول اتفاق صندوق النقد الدولي حيز التنفيذ في ديسمبر بسبب اختلال التوازن في سوق تداول العملات. ويعتبر هذا خامس تحرير صرف رئيسي للجنيه المصري. أول تحرير كبير للجنيه كان في أكتوبر 1991، والثاني في يناير 2003، والثالث كان في نوفمبر 2016، والرابع قبل الأخير كان في مارس 2022. لم تكن هذه العمليات حرة تمامًا، إذ يمكننا اعتبارها “تحرير صرف مدار”. في التحرير المدار يتدخل البنك المركزي من خلال بيع المزيد عندما يزداد الطلب وشراء المزيد عندما يتم تعزيز العرض، بحيث يحافظ على استقرار سعر الصرف خلال إطار زمني معين.

هل توجد مزايا لتحرير سعر الصرف؟

تعتمد مزايا تحرير سعر الصرف إلى حد كبير على قوة اقتصاد البلد والأهداف التي يطمح إلى تحقيقها. هناك فرصة في انخفاض قيمة الجنيه المصري مقابل الدولار والعملات الصعبة الأخرى. قد تكون هذه فرصة للاقتصاد المصري في العديد من القطاعات الاقتصادية: قطاع التصدير، وقطاع السياحة، والتحويلات المالية. فيما يتعلق بالصادرات، فإن انخفاض قيمة الجنيه المصري يجعل السلع المصرية المصدرة أرخص، وبالتالي أكثر قدرة على المنافسة مقارنة بالسلع المماثلة من البلدان الأخرى. وفيما يتعلق بالسياحة، فإن خفض قيمة الجنيه سيجعل مصر وجهة سياحية أرخص وبالتالي أكثر جاذبية، مما يعزز السياحة ويضخ العملات الأجنبية في الاقتصاد المحلي. وينطبق الشيء نفسه على التحويلات المالية، التي ستزداد قيمتها مع انخفاض قيمة الجنيه المصري، مما يعني أن المزيد من الأموال ستصل من المصريين الذين يعيشون في بلدان ذات عملة أقوى. ويعتقد الخبراء أن مثل هذا القرار من شأنه أيضًا أن يحد من استيراد السلع الكمالية، ويقلل من سفر المصريين وإنفاقهم في الخارج؛ مما يدفع الناس لشرا المنتجات المحلية وخلق المزيد من فرص العمل. أما على مستوى الدولة، يقال إن مثل هذا الإجراء سيساعد البلاد على استعادة السيولة في الأسواق، وزيادة التدفقات النقدية الأجنبية، واستعادة ثقة المستثمرين في اقتصاد البلاد، وحلأزمةنقصالعملاتالأجنبية، والتخلص من فاتورة دعم الجنيه المصري التي تحملتها منذ عقود.

ما هي تداعيات تحرير سعر الصرف؟

إن تبني سياسة تحرير الصرف “حيث يرتفع سعر الدولار الأمريكي مقابل العملة المحلية” سيؤدي إلى مزيد من العجز في الميزانية حيث تصبح مدفوعات الديون الخارجية أكثر تكلفة. وثمة تحد آخر يتعلق بمعدلات نمو الصناعات ذات الدخل الدولاري. إن الفجوة بين سعر صرف الجنيه قبل تحرير السعر وبعده ستشوه معدلات النمو، لأننا سنجد أن جميع القطاعات العاملة في السوق المحلية، والتي تحقق دخلا بالدولار، قد سجلت زيادة هائلة في نمو الإيرادات المقومة بالعملة المحلية، مما سيسبب تشوهات كبيرة في حسابات الاقتصاد الكلي، معدلات النمو، وكذلك في توزيع الدخل وتقييم قيمة الأصول العينية. وهذه نتيجة كلاسيكية للتعويم، حيث تترتب على الصدمة النقدية تبعات سعرية وعواقب اقتصادية تؤثر على توزيع الدخل وتخصيص الموارد وغير ذلك من التداعيات التي يصعب قياسها بشكل كمي. وتعد القطاعات الاقتصادية الرئيسية، وهي القطاعات الصناعية والغذائية والزراعية، الأكثر تضررا من تحرير الجنيه، نظرا لارتفاع أسعار المواد الخام المستوردة من الخارج، وبالتالي التسبب في عجز تجاري كبير بسبب ارتفاع فاتورة الواردات (حيث تبلغ الواردات تقريبًاضعف الصادرات في مصر). خلال التحرير الأخير في مارس من هذا العام؛ ارتفعت أسعار جميع المنتجات المحلية بنسب متفاوتة، تراوحتبين25%و50%. وعلى الرغم من أن المنتجات غير مستوردة، فإن الزيادة في الأسعار تكمن في أن أغلب مدخلات الإنتاج مستوردة، وبالتالي فإن أسعار هذه المنتجات المحلية قد ارتفعت. ومع ذلك، فإن أكبر انتكاسة لتحرير سعر الصرف هي فقدان القوة الشرائية لأولئك الذين يكسبون بالجنيه المصري، بالإضافة الى الانخفاض الكبير في قيمة مدخرات المصريين. وبينما تستمر رحلة انحدار العملة المحلية إلى مستويات غير مسبوقة تاريخيًا، فإنها ستكون مصحوبة بتضخم مستمر. وعلى الرغم من إعلان الحكومة المصرية عن زيادة الحد الأدنى لأجور الموظفين العموميين من 2700 جنيه إلى 3000 جنيه، وتثبيت أسعار الكهرباء الحالية للأسر حتى يونيو 2023؛ ومع ذلك، فإن قيمة الحد الأدنى للأجور آخذة في التآكل. الحد الأدنى للأجور في يوليو 2013 كان 1200 جنيه أي ما يعادل حوالي 170 دولارا أمريكيا (حينها). الحد الأدنى للأجور في نوفمبر 2022 هو 3000 جنيه مصري، أي ما يعادل 123 دولارا. إن تآكل الحد الأدنى للأجور بهذا الشكل لا يمكن إلا أن يسبب صعوبات في بلد يعاني 60% من سكانه بالفعل منالفقرأوالهشاشة.

كيف يمكننا أن ننظر إلى الأمام؟

مع قرار القرض وسعر الصرف الجديد، تصبح أهمية وجود أولويات على جدول أعمال الحكومة للفترة المقبلة أمرا ضروريا. إن تحسين إدارة المالية العامة، وتعزيز القطاع الصناعي، وتحسين بيئة الأعمال والاستثمار، وتعزيز دور القطاع الخاص (متناهي الصغر والصغير والمتوسط؛ وليس فقط الكبير) هي الضروريات التي يمكن أن تضمن عدم دفع المصريين ثمن تحرير سعر الصرف أو الاستدانة مرتين. إن الأهداف التي ترمي إلى تنمية الموارد المحلية بطريقة تخفف من الأعباء عن كاهل المواطنين وتخلق فرص عمل جديدة – من خلال زيادة الصادرات وتطوير القطاع السياحي وتحقيق قيمة مضافة من الموارد والقدرات الحالية – يجب أن تُدرج في خطة لإضافة القيمة من مواردنا الحالية وتعويض فجوة الموارد الأجنبية. والأهم من ذلك، أن بناء هيكل أكثر قوة للإنفاق الاجتماعي والحماية الاجتماعية، مع تطوير التعليم والخدمات الصحية لتصبح أكثر شمولا، هو السبيل الوحيد للمضي قدما بالنسبة لبلد يحتاج إلى الخروج من دوامة الديون.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى