محليات

الجمعية الإقتصادية: ليس من حق هذا الجيل التصرف بأموال الأجيال القادمة بهذه اللامسؤولية!

نقلت الجمعية الإقتصادية الكويتية رسالة واضحة «إلى صناع القرار»، لفتت من خلالها إلى أنه «ليس من حق هذا الجيل التصرف بأموال الأجيال القادمة بهذه اللامسؤولية!».

وأضافت الجمعية في رسالتها: “نخاطبكم في هذه الرسالة ونحن مدركون بأننا نخاطب من بيده الحل والعقد، ولا نخفي عليكم حالة الإحباط العام والقلق من التجاهل واللامبالاة وإهمال الشأن العام الاقتصادي من الحكومات المتعاقبة.

آثرنا في الجمعية الاقتصادية الكويتية على مر الظروف المتعاقبة إلى توجيه نداءات للرفق بهذا الوطن، حيث أصبح واضحاً بأن استدامة الأوضاع المالية في الكويت ستكون بتأمين مصادر دخل دائمة تتسم بالاستقرار، وتجنبها مخاطر التقلب الاقتصادي السريع مع تقلب أسعار النفط.

من المؤكد بأن الحديث عن الإصلاح الاقتصادي بات أن يكون أشبه بالأسطوانة المشروخة، فالمصدات المالية التي كونتها الكويت على شكل احتياطيات في أوقات ارتفاع أسعار النفط كان مأمولاً منها أن تكون طبقة حماية قوية لميزانية الدولة، غير أن توقف النشاط الاقتصادي من أزمة كورونا وانخفاض أسعار النفط قلل تلك الآمال. إن اتساع العجز المالي اليوم يهدد الاحتياطيات المالية إذا لم تُتخذ خطوات جادة للإصلاح، ولا يخفى على أحد اليوم أن المشكلة الحقيقية ليست بمبدأ الإصلاح بل بتأخره مع مرور الوقت وتفاقم المشكلة!
إن أسوأ ما يمكن أن يحدث هو أن يدفع الناس ثمن التباطؤ بالإصلاح الاقتصادي ولا يستفيدون بعوائده وهذا بالضبط ما نحن فيه الآن.

نشعر بالقلق الكبير تجاه الحالة المالية للدولة وديمومة المؤسسات، فالمسار الوحيد المتاح هو الاعتراف بعدم جدوى الاستمرار فى السياسات الاقتصادية الراهنة المعرقلة للتنمية. تنتظر الكويت اليوم تحديات كبيرة ترمي بظلالها على وضع الكويت الاقتصادي القاتم، بدأت بالأزمة الصحية العالمية وتراجع غير مسبوق في أسعار النفط وسط سجال عقيم لدى السلطتين حول وجود العجز من عدمه ومساعي تبديد الثروة عبر قرارات واقتراحات آلت إلى تدهور المالية العامة وخفض التصنيف السيادي للكويت.

هناك حالة من اللامبالاة تسيطر على المشهد الاقتصادي وتدخله في دهاليز السياسة إلى حالة من الركود غير المسبوق.

لذلك ليس غريبا أن يصب الرأي العام غضبه على الحكومة ونواب المجلس من جراء التأخر وعدم الاكتراث في تطبيق تغييرات هيكلية اقتصادية، وكذلك من التصريحات التي تستخف بعقول الناس ومشاعرهم.

لسنا بحاجة إلى مؤسسات تصنيف عالمية لتخبرنا بما نعلمه جميعاً، فالنفاد المحتمل للخزينة العامة أصبح اليوم حتمي في حين أن ترتيبات التمويل البديلة لم يتم وضعها بعد!

إن النظرة السلبية لوكالات التصنيف الائتمانية في المقام الأول تعكس وجهة نظر مهمة بشأن المخاطر الناشئة عن الضغوط المالية على استثمارات الدولة، بما في ذلك النفاذ المحتمل لصندوق الاحتياطي العام (المصدر الرئيسي لتمويل الدولة) في حين أن ترتيبات التمويل البديلة لم يتم وضعها بعد. انخفاض أسعار النفط وسط تخفيضات إنتاج النفط تنفيذاً لاتفاقية أوبك+، وعدم وجود قانون دين عام، وأزمة مالية وصحية عاصفة، كل تلك الأسباب ستؤدي إلى اتساع عجز الموازنة العامة في الكويت من 10٪ (المتوقعة لميزانية هذه السنة) إلى ما يقرب من 40٪ من الناتج المحلي الإجمالي!

وفي الوقت نفسه، لا يزال المصدر الرئيسي والوحيد للدولة لتمويل عجز الموازنة في ظل عدم وجود قانون دين عام هو صندوق «الاحتياطي العام» الذي سيكون كفيلاً لتغطية هذا العجز بمفرده، وهذا ما سيدفع الدولة باتجاه تسييل أُصول صندوق الأجيال القادمة وإضاعة فرص الاستثمار بتلك المبالغ فقط لسد عجز سنة واحدة.

فاستمرار تعويم الموضوع وسياسة «النفس الطويل» قد تفيد سياسياً لكنها قاتلة اقتصاديا! وما حصل مؤخراً من مؤسسات التصنيف Moody’s وقبلها Standards & Poor’s في أواخر شهر مارس الماضي هو خير دليل على أننا امام حكومات غير مكترثة ومجالس غير مسؤوله.

مع دخول الكويت لسادس سنة عجز مالي متزايد، تعلل فيه وزارة المالية العجز للسنة المالية 2019-2020 بأزمة كورونا الصحية والانخفاض الحاد في أسعار النفط الناجم عنها، علماً بأن السنة المالية 2019-2020 تنتهي في 31 مارس أي لم يطالها سوى شهر واحد من الأزمة الصحية، فالحسابات الختامية المعلنة بالكاد تأثرت بأوضاع أزمة كورونا الراهنة فلا مجال لوضع كورونا شمّاعة لمشاكلنا المالية المتجذرة وهي بريئة من حكومة بلا قرار، بالمقابل لا نرى أي جهد للإصلاح المالي مما تم ذكره في محاولات حكومية خجولة لوقف الهدر المالي وإعادة هيكلة الاقتصاد بالبلد.

وعلى الرغم من التبريرات غير الواقعية إلا أنه لم يأت إعلان الوزارة عن الحساب الختامي الأخير بأي معلومات جديدة ومفاجئة فالأجور والدعوم مازالت تأكل أكثر من %70 من الإنفاق، وما يبقى من إيرادات لا يتناسب مع تطلعات دولة غنية ومستوى ثقافي شعبي عالي للارتقاء بمستوى التعليم والخدمات الصحية والبنى التحتية. لكن تبقى أرقام النفقات العامة متضخمة وغير مرنة، مع تضاعف إجمالي هذه النفقات أكثر من 5 مرات في 20 عاماً.

إن بيئة الأعمال في الكويت هي البيئة الرئيسية الوحيدة التي لم تحقق أي اختلاف ما بين العام الماضي واليوم، حيث أن الأوضاع المالية والاقتصادية لم تتغير، بل تخلفت الكويت عن دول مجلس التعاون خلال السنوات الـ10 الماضية على صعيد الاقتصاد الكلي، فبعد أن كانت الكويت تُسهم بأكثر من %12 من حجم اقتصاد دول مجلس التعاون بين سنوات (2001 – 2007)، أصبح نصيبها قرابة 8% فقط في آخر سنتين، وهذا جعلنا نفتقد جزءا لا يستهان فيه من مساهمتنا بالاقتصاد الخليجي.

ان استمرار القطاع العام عالي التكلفة وضعيف الإنتاجية في الهيمنة على أكثر من ثلثي الناتج المحلي الإجمالي، يجعل الأداء الاقتصادي التاريخي للدولة غير موفق. المحزن أن درجة اعتماد الاقتصاد على النفط اليوم قد تزايدت، ودرجة ارتهان مستقبل الكويتيين به قد تضاعفت. فمع استمرار انكماش الاقتصاد الكويتي فإن النفط لازال يشكل 55٪؜ تقريباً من الناتج المحلي الاجمالي وأقل بقليل من 90٪؜ من الايرادات العامة بعدما كانت حوالي 94%، وهذا الانخفاض هو فقط انعكاس لتراجع نشاط القطاع غير النفطي وليس تحسن الوضع المالي، فباعتبار اقتصادنا غير متنوع، فقد شهدنا انكماشاً حقيقياً في الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 8% العام المنصرم، والتوقعات خلال العام 2021 تشير إلى أن فرص تحقيق أي انتعاشه تكاد تكون ضئيلة أو معدومة. وبما أن جميع القطاعات تعتمد بصورة أساسية على الإنفاق الحكومي، فإذا أنفقت الحكومة نشط الاقتصاد، وإذا أحجمت الحكومة عن الإنفاق تراجع النشاط الاقتصادي بشكل لافت.
ولا يمثل الاعتماد النفطي المشكلة الوحيدة التي تعاني منها الكويت إذ لا يزال القطاع الخاص غير قادر على المنافسة بالمعايير العالمية والإقليمية، متكلاً بصورة أساسية على العقود الحكومية والمناقصات لكي ينمو ويكبر. هذا في ظل تراجع نسبة العمالة الوطنية منذ الثمانينات إلى اليوم، فالقطاع العام يساهم بنحو 70٪؜ تقريباً من حجم الناتج المحلي الاجمالي وهو ما ليس له مثيل إذا ما قارناه في دول العالم المتقدم «اقتصاديا» وبالأخص بعد ثبوت عدم القدرة على قيام الحكومات بعملية الإنتاج السلعي والخدمي، ولا يوجد ذلك اليوم إلا في التجربة الاقتصادية لكوريا الشمالية. فهذا يدعونا لضرورة تغيير الفكر الاقتصادي في البلاد والتفكير بمزيد من المساندة للقطاع الخاص.
إن الحاجة الملحة لتبني ودعم المشاريع الصغيرة هي ذات الحاجة الملحة لبناء اقتصاد وطني جديد متنوع ومستدام في حقبة ما بعد النفط فهي بحاجة لأن يفتح لها المجال والافق في الصناعة والزراعة والنقل وصولاً إلى التصدير بحيث تصبح مجدية وجاذبة لآلاف الخرجين في التوجه إلى الأعمال الحرة وخلق رأس مال منتج بدلاً عن الراتب الحكومي، الأمر الذي يقابله تخلي الدولة عن هيمنتها على الأراضي والرخص والبيروقراطية القاتلة للطموح والاحلام.
والمتابع للأوضاع الاقتصادية في الكويت يلاحظ بأن المشاريع الصغيرة تعيش حالة من التكرار الدوري بدءاً في التأسيس والدعم الحكومي المادي المحدود ثم التذبذب وصلواً للإفلاس والاغلاق، ومن المهم هنا أن نذكر بأننا لا نطالب الدولة في ضمان نجاح المشاريع الصغيرة أو تحمل خسارتها بل أننا نطالب بالعمل على إخراجها من حلقة التكرار الدوري القاتلة لكي تصبح مشاريع أكبر يبنى من خلالها الاقتصاد الجديد أياً كان ملامحه.
لذلك فإننا نرى أن الحكومة تحتاج إلى تنمية ومساندة المشاريع الصغيرة والمتوسطة وضمان عدم الهجرة العكسية من القطاع الخاص إلى العام التي ستضر الدولة بالدرجة الأولى وتضخم باب الرواتب في الميزانية، وهذا آخر ما تتمناه الحكومة لميزانيتها. فلذلك يحتاج القطاع الخاص بما في ذلك مجال المشروعات الصغيرة والمتوسطة إلى استيعاب هذا الكم من الكويتيين ال 98 ألف (22 ٪؜ من القوة العاملة الكويتية الحالية) المتوقع دخولهم سوق العمل في السنوات الخمس المقبلة.
لن يتغير الواقع المؤلم للمشاريع الصغيرة والمتوسطة ما لم يتغير النهج الاقتصادي المتبع في الدولة ولن تخرج المشاريع من القطاع الاستهلاكي إلى القيمة المضافة ما لم يتم توفير البيئة المناسبة لذلك فالتحديات التي تواجه المشاريع الصغيرة ليست حكراً عليه بل هي تحديات القطاع الخاص بأكمله.
ومن المؤسف أيضاً أن يتصدر اسم الكويت صفحات جرائد عالمية مثل «نيويورك تايمز وول ستريت جورنال» ليس بغرض إنجاز مالي محقق أو استثمار استراتيجي بل لارتباطها بفضائح وجرائم مالية دولية تنعكس سلباً على مركزها المالي وعلى سمعتها أدت إلى إعلان بعض مؤسسات التصنيف الائتمانية عزمها مراجعة تصنيفاتها لبعض المؤسسات المصرفية والمالية في المنطقة لارتباطها بالمال الأسود.
كما يجب التنويه أن ما يطفو على السطح من معاملات بنكية مشبوهة تطولها شبهات غسل أموال وغيرها إن لم يكن من الحكومة وقفة جادة مع نفسها للملمة شتاتها والوقوف على القطاع المصرفي المهم وبناء الاقتصاد حوله، وإلا سيكون لها عواقب وخيمة من انهيار التصنيف الائتماني إلى وضع المؤسسات المصرفية في القائمة المحظورة (السوداء) عالمياً.
المؤلم في كل هذا أن نسب الفساد المالي في ازدياد مضطرد، ولم تؤثر فيه أزمة اقتصادية ولا أزمة صحية، والأكثر ألماً أننا كشعب تعايشنا مع الفساد وتغيرت نبرتنا تجاهه من اللا مهادنه إلى الإنكار على الفساد وهو أضعف الإيمان، ولم يردع تلك الممارسات الفاحشة بالتعدي السافر على أموال العامة ومقدرات البلد تلك المؤسسات الرقابية التي أُنشئت مؤخراً كوحدة التحريات المالية وجهاز المراقبين الماليين ونزاهة وغيرها.. فقط في آخر سنة تفجرت 6 قضايا كبيرة لها علاقة بالمال العام وشبهات فساد وغسل أموال!
كل ما تم سرده دلاله على التخبط والعشوائية وعدم الجدية في مواجهة التحدي الاقتصادي. ومما يدل أيضاً على أن الحكومات المتعاقبة لا تملك مشروعا للنهوض بالدولة، أن:
الرواتب والدعوم تستهلك أكثر من %125 من الإيرادات النفطية المقدرة بالميزانية،
الرواتب والدعوم يشكلان قرابة %110 من إجمالي الإيرادات العامة، وهذا إن دل فيدل على أن وعود الحكومة سياسية ليس لها رصيد واقعي،
استحالة استمرار نفس النهج في ظل توقعات بدخول أكثر من 325 ألف خريج كويتي إلى سوق العمل في الأعوام ال20 سنة القادمة. المخيف في الأمر أنه إذا لم يكن هناك قرارات حازمة فمن المؤكد أننا سنواجه أزمة بطالة كبيرة.
المؤسف أننا أصبحنا محصنين ولا نكترث لتشاؤمية التقارير الاقتصادية المتداولة من قبل الاقتصاديين والمتخصصين، وهي غالباً تحذيرات مبنية على دراسات وتحليلات، تحاول منع وقوع الأخطار في بلد يركن اقتصاده إلى مصدر دخل يكاد يكون وحيدًا، هو النفط الذي خضعت أسعاره في العقود الأخيرة لتقلبات شديدة.
وختاماً،
يتزامن بداية العهد الجديد مع دخول العالم في عقد جديد في الألفية الثانية تتسم بالتكنولوجيا الرقمية والطاقة البديلة واللامركزية في الاقتصاد لا تقل تبعاتها وآثارها عن الثورة الصناعية في القرن التاسع عشر. فإن الرهان اليوم هو ببناء اقتصاد وطني حقيقي بعيداً عن العوائد النفطية يكون أساسه قطاع خاص منتج قادر على خلق فرص عمل حقيقية للمواطنين.
نقول ذلك ونحن مدركون إيمانكم إن الحكومات القادمة ستساهم في تحديد مصيرنا كشعب وأمة، ذلك بأن التضخم المستمر في الميزانية العامة له تفسيران، الأول عجز الإدارة العامة الشديد عن الوعي بأن ارتفاع النفقات العامة، والجاري منها تحديدًا، ومثال عليها ارتفاع مستواها من نحو 4 مليارات دينار سنة 2000 إلى 21 مليار دينار، أمر غير قابل للاستدامة ومخاطره السياسية والاجتماعية غير محتملة. والثاني، هو وضع من لا يستحق في مواقع المسؤولية.
إن أي إصلاح يبدأ من مس جيب المواطن هو إصلاح ساقط اقتصاديا قبل أن يسقط شعبياً. فالهدر المالي في الميزانية من الواجب ضبطه قبل التفكير بفرض ضرائب، ومحاربة الفساد وتقليل التكلفة الباهظة والمصاحبة له كذلك على رأس سلم الأولويات. كما أنه من الضروري دراسة الآثار الاقتصادية المترتبة على أي قرار قبل اتخاذه. وندرك تماماً أن السبيل الوحيد للخروج من هذا المنعطف هو بالتعاون والتكاتف وتشخيص المشكلة بصراحة ووضوح. فعلى مر العصور شهدت الكويت تقلبات كبيرة في اقتصادها من مجتمع بحري وميناء تجاري إلى دولة منتجة ومصدرة للطاقة ومن شقاء الترحال إلى رخاء النفط عاش الكويتيون على وحدة الصف والتكاتف خلف قيادتهم السياسية.
ورسالتنا الأخيرة مضمونها إن الإصلاح المالي في الكويت ليس المشكلة، بل تأخر الإصلاح الاقتصادي واهماله، فلم يعد هناك ثروة كافية للتوزيع على المواطنين باستمرار النهج السابق، ولا من امتهن توزيع الثروات وصل لإصلاح مالي واقتصاد مستدام، ولا من حق هذا الجيل التصرف بأموال الاجيال القادمة بهذه اللامسؤولية!
نسأل الله العظيم أن يديم على بلدنا نعم الأمن والأمان والاستقرار، وأن يمدكم بموفور الصحة والعافية والعون لتحقيق الإصلاح المنشود”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى