الإقتصاديموضوع مميز

مقال متخصص : التأثير الانكماشي لأسعار الفائدة الشديدة الانخفاض

التأثير الانكماشي لأسعار الفائدة الشديدة الانخفاض

 

إرنست ليو ؛ عاطف ميان ؛ أمير صوفي

شيكاجو ــ انخفض العائد الحقيقي (المعدَّل حسب التضخم) على سندات الخزانة الأميركية التي تبلغ مدتها عشر سنوات الآن إلى الصفر، وقد ظل منخفضا للغاية خلال القسم الأعظم من السنوات الثماني الماضية. في الوقت الحالي، تُنتج 40٪ من السندات ذات الدرجة الاستثمارية خارج الولايات المتحدة عائدات اسمية سلبية. وفي الآونة الأخيرة، خفض البنك المركزي الأوروبي سعر الفائدة على الودائع إلى 0.5-٪ كجزء من حزمة جديدة من تدابير التحفيز الاقتصادي لمنطقة اليورو.

 

 

جرت العادة على النظر إلى أسعار الفائدة المنخفضة باعتبارها أداة إيجابية لتحفيز النمو الاقتصادي. لكن آخر أبحاثنا تشير إلى أن الأمر قد لا يكون كذلك. بل على العكس، قد يؤدي الانخفاض الشديد في أسعار الفائدة إلى تباطؤ النمو عن طريق زيادة تركيز السوق. إذا كانت هذه الحجة صحيحة، فهذا يعني أن الاستمرار في خفض أسعار الفائدة لن ينقذ الاقتصاد العالمي من الركود.

 

 

تفيد وجهة النظر التقليدية بأنه عندما تنخفض أسعار الفائدة الطويلة الأجل، يزداد صافي القيمة الحالية للتدفقات النقدية المستقبلية، مما يجعلها أكثر جاذبية للشركات كي تستثمر في التكنولوجيا المعززة للإنتاجية. وبالتالي، فإن أسعار الفائدة المنخفضة لها تأثير توسعي على الاقتصاد من خلال تعزيز نمو الإنتاجية.

 

لكن إذا كان لأسعار الفائدة المنخفضة تأثير استراتيجي عكسي، فإنها تقلل من الحوافز التي تدفع الشركات للاستثمار في زيادة الإنتاجية. وفضلا عن ذلك، مع اقتراب أسعار الفائدة الحقيقية الطويلة الأجل من الصفر، يصبح هذا التأثير الاستراتيجي الانكماشي سائدا. لذلك، في ظل البيئة الحالية التي يطغى عليها انخفاض أسعار الفائدة، من المحتمل أن يؤدي المزيد من الانخفاض إلى إبطاء الاقتصاد من خلال الحد من نمو الإنتاجية.

 

يعمل هذا التأثير الاستراتيجي من خلال المنافسة الصناعية. فبرغم أن انخفاض أسعار الفائدة يشجع جميع الشركات في القطاع على زيادة الاستثمار، إلا أن الدافع للقيام بذلك يكون أكبر بالنسبة إلى قادة السوق مقارنة بالشركات التابعة. ونتيجة لذلك، تصبح دوائر الصناعة أكثر احتكارية بمرور الوقت مع انخفاض أسعار الفائدة الطويلة الأجل.

 

يشير بحثنا إلى أن قادة الصناعة والشركات التابعة تتفاعل على نحو استراتيجي، بمعنى أن كلا من الطرفين يدرس سياسة الآخر الاستثمارية بعناية عند اتخاذ قرار بمفرده. وعلى وجه التحديد، نظرا لأن قادة الصناعة يستجيبون بقوة أكبر لأسعار الفائدة المنخفضة، تشعر الشركات التابعة بالإحباط وتتوقف عن الاستثمار مع تقدم القادة بشكل كبير. ولأن القادة لا يواجهون بعد ذلك أي تهديد تنافسي خطير، فإنهم أيضا يتوقفون عن الاستثمار ويصبحون “محتكرين كسالى”.

 

 

ربما يكون أفضل تشبيه لوصف هذه الحالة اثنتين من العداءات تنخرطان في سباق أبدي حول مضمار. تحصل العداءة التي تحتل مركز الصدارة في كل لفة على جائزة. والقيمة المخفضة حاليا لهذه الجوائز المحتملة هي الحافز الوحيد لتشجيع المتسابقين على تحسين مراكزهم.

 

الآن، لنفترض أنه في وقت ما خلال السباق، انخفض سعر الفائدة المستخدم لخفض قيمة الجوائز المستقبلية. سترغب كلتا العداءتين في الركض بسرعة أكبر، لأن الجوائز المستقبلية قيمتها أكبر في الوقت الحالي. هذا هو التأثير الاقتصادي التقليدي. لكن الحافز لزيادة سرعة الركض يكون أكبر بالنسبة للعداءة التي في المقدمة، لأنها أقرب إلى الحصول على الجوائز، وبالتالي تزيد احتمالية حصولها عليها.

 

لذلك، تزيد العداءة المتقدمة من وتيرتها أكثر من المتأخرة، التي تصاب بالإحباط لأن احتمالية اللحاق بمنافستها أصبحت الآن أقل. إذا كان تأثير الإحباط كبيرا بدرجة كافية، فسوف تستسلم العداءة المتأخرة ببساطة. وبمجرد حدوث ذلك، ستبطئ المتقدمة أيضا من وتيرتها، حيث لم تعد تواجه تهديدا تنافسيا. ويشير بحثنا إلى أن تأثير الإحباط الاستراتيجي هذا سوف يسود مع اقتراب سعر الفائدة المستخدم لخفض قيمة الجوائز من الصفر.

 

في اقتصاد العالم الواقعي، من المرجح أن يكون التأثير الاستراتيجي أقوى، لأن قادة الصناعة وتابعيها لا يواجهون نفس سعر الفائدة من الناحية العملية. فعادة ما تدفع الشركات التابعة فارقا بالإضافة إلى أسعار الفائدة التي تدفعها الشركات الرائدة في السوق – وعادة ما يظل هذا الفارق قائما مع انخفاض أسعار الفائدة. ومن شأن مثل هذه الأفضلية في تكلفة التمويل لقادة الصناعة أن تزيد من تعزيز التأثير الاستراتيجي الانكماشي لأسعار الفائدة المنخفضة.

 

 

يساعد هذا التأثير الانكماشي في تفسير عدد من الأنماط الاقتصادية العالمية المهمة. أولا، ارتبط انخفاض أسعار الفائدة الذي بدأ في أوائل الثمانينيات بتزايد تركيز السوق وزيادة أرباح الشركات وضعف ديناميكية العمل وتراجع نمو الإنتاجية. وكلها سمات متوافقة مع نموذجنا. علاوة على ذلك، يتطابق توقيت الاتجاهات الإجمالية أيضا مع النموذج: حيث تظهر البيانات زيادة في تركيز السوق والربحية من الثمانينيات وحتى عام 2000، يليها تباطؤ نمو الإنتاجية الذي بدأ في عام 2005.

 

 

ثانيا، يقدم النموذج بعض التنبؤات التجريبية الفريدة التي نختبرها بالمقارنة مع البيانات. على سبيل المثال، تولد محفظة الأوراق المالية التي تأخذ مركزا طويل الأجل بالنسبة لقادة الصناعة وقصير الأجل بالنسبة للشركات التابعة عوائد إيجابية عندما تنخفض أسعار الفائدة. والأهم من ذلك، أن هذا التأثير يزداد قوة عندما يكون السعر منخفضا منذ البداية. وهذا أيضا يتفق مع ما يتوقعه النموذج.

يخلف التأثير الانكماشي الناتج عن الانخفاض الشديد في أسعار الفائدة تداعيات مهمة على الاقتصاد العالمي. ويشير تحليلنا إلى أنه مع انخفاض أسعار الفائدة بشكل كبير بالفعل، سيؤثر استمرار هذا الانخفاض سلبا على الاقتصاد من خلال زيادة تركيز السوق وانخفاض نمو الإنتاجية. لذلك، فإن انخفاض أسعار الفائدة بعيد كل البعد عن إنقاذ الاقتصاد العالمي، بل إنه قد يتسبب في المزيد من المعاناة.

 

————————————————-

ترجمة: معاذ حجاج

 

————————————————————————-

إرنست ليو أستاذ في مركز بيندهايم المالي بجامعة برينستون. عاطف ميان أستاذ في جامعة برينستون ومدير مركز جولس-رابينوفيتش للسياسة العامة والمالية في كلية وودرو ويلسون. أمير صوفي أستاذ الاقتصاد والسياسة العامة في كلية إدارة الأعمال بجامعة شيكاجو.

 

حقوق النشر باللغة العربية لـ جريدة برواز الالكترونية 


projectsyndicate@

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى