الإقتصاديغير مصنفموضوع مميز

جيم أونيل : اقتصاد ترامب الأحادي الاتجاه

اقتصاد ترامب الأحادي الاتجاه

جيم أونيل

لندن– الآن، عندما يسألني الناس عن أحوالي، أجيب مازحا، أنني بخير، طالما أنني أتجاهل رئاسة دونالد ترامب في الولايات المتحدة، والبريكسيت، وأزمة الأحزاب السياسية الرئيسية في المملكة المتحدة، و أداء مانشستر يونايتد.

 

ولكن في الآونة الأخيرة، أصبحت سلسة الأحداث السيئة طويلة إلى درجة أصبح معها الحفاظ على روح الدعابة أمرا صعبا. ويجب على المرء الآن أن يُدرج في اللائحة الأزمة السياسية في هونغ كونغ، والنزاع الدبلوماسي والاقتصادي المتزايد بين اليابان وكوريا الجنوبية، وإلغاء الحكومة الهندية للحكم الذاتي في جامو وكشمير- والتوترات الهندية الباكستانية بشكل عام- والاضطرابات المتزايدة داخل مجلس الشيوخ الوطني الإفريقي الحاكم في جنوب إفريقيا.

 

 

وما زاد الطين بلة، هو أن فصل الصيف لهذا العام يعرف طقسا قاسيا بشكل خاص: إذ كانت موجات الحر التي شهدتها أوروبا، والولايات المتحدة تذكيرا قويا بالآثار المتزايدة لتغير المناخ على حياتنا اليومية. أضف إلى كل هذا المصادر المستمرة الأخرى لعدم اليقين العالمي– بما في ذلك الشرق الأوسط، وروسيا في عهد الرئيس فلاديمير بوتين و اضطرابات التواصل الاجتماعي، ومقاومة مضادات الميكروبات– وكل هذه العوامل تؤدي إلى اليأس.

 

ولو كانت هذه أوقاتا عادية، لظهرت التطورات العالمية الأخيرة على أنها خطر إضافي يتزايد بشكل حاد، خاصة وأن النمو العالمي قد تباطأ إلى حد كبير خلال عام 2019. لكن هذه ليست أوقات عادية، وهذا راجع بالدرجة الاولى إلى الوضع الحالي للسياسة النقدية. وهنا، يجب على المرء أن يتساءل عما إذا كان ترامب يُصعد تهديداته بفرض رسوم إضافية على الصين، لتكون وسيلة ضغط على مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي حتى يُخفض أسعار الفائدة. ففي آخر المطاف، جاءت نوبة غضبه الأخيرة التي عبر عليها في تويتر بشأن هذه المسألة، بعد فترة وجيزة من قرار مجلس الاحتياطي الفيدرالي بخفض سعر الفائدة بنسبة 25 نقطة أساس. ومن وجهة نظر ترامب- ومن وجهة نظر الأسواق – يبدو أن هذا التقليص لم يكن كبيراً بالقدر الكافي.

 

أتساءل في بعض الأحيان عما إذا كان ترامب مثل جيمس بوند الشرير، الذي يتبع خطة رئيسية سرية ومُعقدة دون ضرورة لذلك، للسيطرة على العالم. وأكيد أنه لا يوجد أي منطق واضح في معظم ما يفعله. ومن المؤكد أنه عندما يتعلق الأمر بالسياسة الخارجية، فقد يكون القصد من موقفه الشعبوي، هو دفع القادة الآخرين في جميع أنحاء العالم إلى اتباع سلوك مماثل. ويبدو أن تحركات رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي في كشمير، وكذلك أساليب الحكومتين اليابانية والكورية الجنوبية تجاه بعضهما البعض، مقتبسة بشكل مباشر من سياسة لترامب. ولا شك أن السياسيين في جميع أنحاء العالم يقولون لأنفسهم أنه إذا كان هذا السلوك مقبولاً لدى الزعيم الأمريكي، فهو مناسب لهم أيضًا.

 

 

ولكن المنطق السياسي لاستراتيجية ترامب المحلية يصعب تفسيره. إذ يتعلق الكثير منه بدعم قاعدة الناخبين له في انتخابات عام 2020 الرئاسية. ولكن للفوز بفترة ولاية ثانية، سيحتاج إلى تشتيت المزيد من الناخبين على الهامش، وليس واضحا إن كان نهجه الحالي في السياسة الداخلية سينتصر على أولئك الذين لا يدعمونه بالفعل.

 

 

وكما هو الحال دائمًا مع صاحب منصب ما، فإن الكثير سيعتمد على الاقتصاد. ومع أن معدل البطالة في الولايات المتحدة لا يزال منخفضًا للغاية، إلا أن دورة النمو تباطأت، وأصبحت الآن ضعيفة بشكل متزايد. والأسوأ من ذلك، يبدو أن الاقتصاد الأمريكي قد طور علاقة أحادية الاتجاه مع الظروف المالية ذات نطاق أوسع، وأعني بذلك أسعار الفائدة قصيرة الأمد، وعوائد السندات، وأسعار الأسهم وقيمة الدولار، وأسعار المنازل. وسيعاني الاقتصاد الأمريكي إذا أصبحت هذه الظروف المالية أصعب، لكنها بالكاد ستستفيد إذا خُفِّفت صعوبتها.

 

 

وليس واضحا إن كان ترامب ومستشاروه يتبعون هذه الظروف المالية عن كثب. إذ يبدو أنهم يئسوا بشأن التيسير بصورة جذرية، ولكن تهديد ترامب بفرض رسوم إضافية على الواردات الصينية قد هز الأسواق العالمية- بما في ذلك أسهم العديد من الشركات الأمريكية المتعددة الجنسيات- وزاد من شِدَّة الظروف المالية في الولايات المتحدة، بسبب ارتفاع قيمة الدولار. وللتعويض عن هذا التأثير، ستحتاج أسعار الفائدة الأمريكية على المديين القصير والطويل إلى انخفاض كبير. ومن المؤكد أن هناك بعض الأوقات التي تتراجع فيها الظروف المالية، لأن احتمال فرض تعريفة جمركية جديدة، ومن ثم ارتفاع أسعار المستهلك، يدفع المستثمرين إلى التدفق على السندات، للتعويض عن الصعوبات المترتبة عن ارتفاع الدولار وضعف الأسهم.

 

 

وبعيدا عن الحركة اليومية للأسواق، من المحتمل أن يعتمد ترامب على بنك الاحتياطي الفيدرالي ليصبح رهينة للظروف المالية، خاصة إذا انخفضت عائدات السندات، وانعكس منحنى العائد. وقد يدفعها ذلك إلى مواصلة تقليص سعر الفائدة ألى مستوى أعلى مما سبق الإشارة إليه. ولكن بالكاد سيفعل المزيد من التيسير النقدي شيئا لتخفيف المخاطر على الاقتصاد، لأن هذه المخاطر لا تنبع من مصادر نقدية حساسة

 

وفضلا عن ذلك، أدت عدم قدرة ترامب على التنبؤ إلى زيادة المخاطر على المُصَدرين، وأي شخص آخر مسؤول عن اتخاذ قرارات استثمارية طويلة الأمد. والطريقة الوحيدة لنجاح السياسة النقدية التخفيفية، إذاً، هي أن يضطلع المستهلكون بدور أكبر في الدفع بعجلة النمو. ومع ذلك فإن الاستهلاك يمثل بالفعل 70٪ من الناتج المحلي الإجمالي الأمريكي، كما أن الحرب التجارية ترفع أسعار المستهلكين، مما يمهد الطريق لارتفاع معدلات البطالة.

 

 

وهذا يقودني إلى نقطة سبق أن أوضحتها عدة مرات: إن النمو الاقتصادي العالمي في هذا العقد وخلال العشر سنوات القادمة سيعتمد على المستهلكين الصينيين، وليس الأمريكيين. وفي مرحلة ما، سيتعين على الولايات المتحدة، سواء كانت تحت إدارة ترامب أو أي شخص آخر، قبول هذه الحقيقة والاعتراف على أنها فرصة. ويمكن أن يساعد صعود المستهلك الصيني في معالجة العديد من المشكلات الاقتصادية التي تواجهها أمريكا، إن توقفت هذه الأخيرة عن الوقوف في طريق ذلك.

 

 

ترجمة : نعيمة أبروش

 

يشغل جيم أونيل، الرئيس السابق لشركة غولدمان ساكس لإدارة الأصول، ووزير الخزانة البريطانية السابق، منصب رئيس مجلس إدارة تشاتام هاوس.

 

حقوق النشر باللغه العربية محفوطة لـ جريدة برواز الالكترونية 

projectsyndicate@

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى